السبت 23 نوفمبر 2024
جالية

مصطفى الشنضيض: لماذا نتحرج في أن يكون المرجع الديني لمسلمي أوربا وإفريقيا هو إمارة المؤمنين؟

مصطفى الشنضيض: لماذا نتحرج في أن يكون المرجع الديني لمسلمي أوربا وإفريقيا هو إمارة المؤمنين؟

قال مصطفى الشنضيض، باحث في الفكر الإسلامي بالدانمارك، إن مغاربة داعش  لم يسلكوا المسلك العلمي الصحيح، مشيرا إلى أنهم درسوا أفكار وتنظيرات دينية دخيلة على ثقافتنا، مبنية على العنف ومصادرة الفكر:

أمام انتشار هذا الفكر التكفيري والسلفي الجهادي، تبرز الدعوة من قلب أوربا، لتبني خطاب التدين المغربي، كيف تجد هذه الدعوة للتصدي فكريا للدواعش؟
يعتمد النموذج المغربي للتدين - بالإضافة إلى العلم الشرعي المؤصل والرصين - على الاعتناء الكبير بالجانب الأخلاقي المتمثل في التصوف السني أو التزكية أو الزهد أو السلم الروحي.. وبالتالي، عندما تعلِّم إنسانا كيف يكون متخلقا، معطاء، مسالما، آمنا، مطمئنا، متعايشا، ومسامحا.. فأنت عندئذ تنتج إنسانا سويا متصالحا مع ذاته وغيره؛ فهذا ما غاب عن الفكر الداعشي ومنظريه التكفيريين، وهو ما يجعلهم يطعنون دائما وباستمرار في التصوف المغربي، متناسين أن مقام التربية والإحسان هو أعلى المقامات بعد الإسلام والإيمان، كما جاء في حديث سيدنا جبريل عليه السلام "أن تعبد الله كما تراه"، فهذه المراتب لا تؤخذ في جلسة أو مطالعة كتاب، بل تحتاج إلى وتعلم وصبر ومجاهدةٍ للنفس وتفكر وتدبر وإخلاص ومثابرة في الطلب والترقي في المراتب؛ وهذا هو ما ينقص الفكر الداعشي ويوفره التدين المغربي، وهذا ما نلاحظه على الساحة الأوربية والعربية، هناك انخفاض للمنسوب الروحي للمسلمين، مما ينتج عنه عنف منظم داعشي، أو عنف منفرد في الأسرة أو الشارع أو العمل، فالمغرب عندما يتبنى هذه الطريقة المتميزة في تخريج الأجيال، فهو يساهم في صنع مسلمين أسوياء متزنين ماديا وروحيا، متصالحين مع ذواتهم ومجتمعاتهم، يتركون أمر الجهاد وأحكامه وإعلانه للدولة ومؤسساتها، وأمر الإصلاح الذاتي والأسري للنفس؛ ولا يخلطون الأوراق.

عندما نقول بأن النموذج المغربي للإسلام الذي يتميز بتقوية الجانب الروحي، هل هو يصلح للقطر المغربي، أم يصلح كذلك لأوربا وإفريقيا، ونحن نعرف تمايز الأوضاع بين هذا البلد وذاك؟.
أطرح سؤالا مقابلا، هل هذا النصراني من بلجيكا أو ابريطانيا أو فرنسا، ألا يعتبر الفاتيكان هي المرجعية الدينية العليا له ؟ فلماذا نتحرج في أن يكون المرجع الديني لمسلمي أوربا وإفريقيا هو إمارة المؤمنين كما عليه الحال في المغرب؟  طبعا نحن مواطنون أوربيون، لكن لا أحد يفرض علينا مرجعيته الدينية، وبحكم النظام العلماني في أوربا لنا الحق في أن نعلن ولاءنا لإمارة المؤمنين في المغرب، التي تدبر الشأن الديني، وتعلم الناس دينهم، ولا تحاربه كما يقع في بلدان عربية أخرى، وأن يكون هناك بُعد جغرافي بين الموطن الأصلي والموطن الذي تكتسب فيه الجنسية، فهذا لم يعد مانعا في ظل انفتاح السماوات، وقديما كانت القبيلة تحتاج عشرات السنين لكي تتشكل، اليوم يمكن خلق قبيلة افتراضية في دقائق، وتشكل رأيا عاما مؤثرا، القصد أن 25 مليون مسلم يعيشون في أوربا هم بحاجة ماسة ﻹسلام مغربي يشكل شخصية إسلامية مبنية على التوازن بين الروح والجسد، شخصية منفتحة وغير منغلقة، شخصية حوارية وليس تكفيرية، ولنا في تاريخ المغاربة المسلمين في الأندلس عن تعايشهم مع اليهود والنصارى واللادينيين نموذج يحتذى، حيث عاشوا جميعا في سلم وأمن لقرون. فمهما يكن، فعيسى ابن مريم ليس موطنه الأصلي من باريس أو كوبنهاكن، وكذلك سيدنا محمد بن عبد الله عليهما الصلاة والسلام، ليس من أوربا، فكلاهما وموسى عليه السلام من الشرق، وأوربا التي اعتنقت المسيحية اعتنقت الإسلام فيما بعد، وكان بين الديانتين ميزان أغلبية وأقلية؛ فكما كان المسلمون أغلبية بالأمس، فهُم أقلية اليوم. وأوربا لها الوعي الكافي والقدرة أن تكون مجتمعا متعدد الثقافات بحيث يجد فيها الجميع مكانهم ومكانتهم.

لكن كيف يتلاءم مع ما قلته من صلاحية الإسلام المغربي لكي يكون الموجه، في الوقت الذي نجد فيه نسبة كبيرة من المغاربة منخرطين في الصفوف الأمامية لتنظيم داعش في سوريا والعراق وأوربا، بل في المغرب أيضا؟
هل هؤلاء، مغاربة داعش سلكوا المسلك العلمي الصحيح؟ هل هم خريجو دار الحديث الحسنية أو معهد محمد السادس للأئمة والوعاظ أو جامع القرويين؟ بالتأكيد فإن مغاربة داعش درسوا أفكار وتنظيرات دينية دخيلة على ثقافتنا، مبنية على العنف ومصادرة الفكر، الوضع أشبه بذلك الطبيب الذي يأخذ العلم من الأنترنيت والكتب، ويفتح عيادته، ماذا تنتظر منه؟ طبعا سيسبب أزمات صحية للمواطنين، هذا ما يحصل لمغاربة داعش، هم خريجو المواقع الاجتماعية في شبكات الأنترنيت، هم خريجو شيوخ القتل والدمار في الشرق، ومسارهم العلمي معتل وغير سوي، هي معلومات متناثرة متناقضة، فالأطباء العشوائيون لهم ضرر على الأبدان، وهؤلاء الدواعش لهم ضرر على الأديان والأبدان..

ما هي في نظرك آليات تنزيل الإسلام المغربي واقعيا؟
عمليا هناك دعوات حديثة وقديمة عن حاجة فرنسا وإسبانيا وبعض دول اسكندنافيا، لدعاة مغاربة، في هذه الدول، وهناك معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والوعاظ، يخصص نسبة من مقاعده لتخريج علماء ووعاظ أجانب، في إفريقيا وأوربا،  ونحن بصدد إنشاء جامعات في أوربا لتعليم الناس دينهم، إسلام التسامح والمحبة والأمن، كما تعلمناه في المغرب، كما لا ننسى دور إذاعة محمد السادس والقناة السادسة في تدويل الإسلام المغربي، ونعمل باتصال دائم مع المصالح الدينية في المغرب قصد نقل التجربة المغربية الدينية الضاربة في عمق التاريخ لقرون طويلة لأوربا، للتصدي للفكر الداعشي وما يشكله من خطر على الإنسان والعمران، ولنغرق الأسواق بفكر ديني مغربي معتدل، بالإضافة إلى الدورات التكوينية والندوات العلمية والمخيمات التربوية التي تنشر العلم والوعي والأخلاق... وهذا البناء قد يحتاج منا لسنوات طويلة، حتى يسود أكثر الإسلام المعتدل بين الشباب المسلم في أوربا وإفريقيا..