الاثنين 23 سبتمبر 2024
مجتمع

مصطفى الشنضيض: هذه هي المحددات السبعة للتكفيريين في أوربا، وبعض "المعتدلين" تحولوا لتكفيريين بلحى قصيرة

مصطفى الشنضيض: هذه هي المحددات السبعة للتكفيريين في أوربا، وبعض "المعتدلين" تحولوا لتكفيريين بلحى قصيرة

أكد مصطفى الشنضيض، باحث في الفكر الإسلامي بالدانمارك، على أن جميع الأحداث التي عرفتها أوربا والمرتبطة بوجود فاعلين عرب لها، تساهم في ارتفاع حدة المضايقات على تحرك المنحدرين من دول عربية وإسلامية، مضيفا في حوار مع "أنفاس بريس" بأنه عندما يغيب الشيخ والمؤطر، يصبح الإعلام هو الموجه وهو المحرض. ففي السابق، يقول الباحث، كان المتعلمون يتلقون تعليمهم من الشيخ المربي ذي الأخلاق العليا، الذي يتشرب منه المتعلمون العلم والتربية والأخلاق؛  أما اليوم، فقد أصبح العالم قرية صغيرة، تطرح فيها عشرات الآلاف من المعلومات المتعارضة، وليست هناك مصفاة لتمييز الغث من السمين. وفي تشخيصه لخلفية الفكر الداعشي، قال الشنضيض بأن هناك حالة طفولية يعيشها الإنسان التكفيري، وهي تظهر جلية إذا تتبعنا ملامح شخصيته، إذ يسيطر عليهم الفكر التآمري: فالتكفيري، بحسب الشنضيض يظن على الدوام أن مؤامرة ما حيكت هنا أو هناك ولا يحسن الظن ولا يعطي لنفسه الفرصة كي يعمق قراءته أو يسمع كل الأطراف أو ينظر إلى كل شيء من كل الزوايا.

 كيف يمكن وصف الأوضاع الحالية في أوربا وانعكاس الأحداث الأخيرة في باريس على العرب والمسلمين عموما والمغاربة بالخصوص؟

كل الأحداث التي عرفتها أوربا والمرتبطة بوجود فاعلين عرب لها من تفجيرات 11 شتنبر بأمريكا ولندن إلى باريس مرورا بمدريد وغيرها، تكون لها انعكاسات أمنية قوية، حيث ترتفع حدة المضايقات في المعابر البرية والمطارات، بل تعج البرلمانات الغربية بتشريعات قانونية تضيق الخناق على تحرك المنحدرين من دول عربية وإسلامية، فتكون تداعيات مثل هذه الأفعال النكراء على الجميع بدون استثناء..

هل تنتظرون الأسوء في قابل الأيام، أم هناك جهود متبادلة قصد تفهم الأوضاع من الطرفين؟

على المستوى الرسمي بدأنا نرى خطابات معتدلة من بعض المسؤولين الغربيين حيث يميزون بين هذه الاعتداءات والدين الإسلامي، بين الأعمال الإرهابية وبين الإسلام كدين حامل لقيم إنسانية تعايشية، وهذه نقطة إيجابية، حيث يعتبرون من قام بهذه الأعمال مجرمين، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية، وهذا شيء يريحنا جزئيا، ويعطينا هامشا في التحرك؛ لذا نحن نتفهم كل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها فرنسا، فالأحداث مؤلمة، وواجبها هو حماية مواطنيها سواء الأصليين أو المهاجرين، وندعو الله أن يوقف كيد هؤلاء "الدواعش"، الذين يريدون نقل معركتهم لداخل أوربا..

أما على مستوى الأفراد، فهناك ردود أفعال عنيفة من بعض الأوروبيين المتعجلين وغير الأسوياء، بدأت بعد تفجيرات باريس، كالاعتداءات على بعض المساجد والمقابر الإسلامية، سواء في إسبانيا أو هولندا وغيرهما.. وهذا يدخل في باب توقع الأسوء؛ إذ لا ننتظر كمواطنين منحدرين من المغرب والعالمين العربي والإسلامي إلا المضايقات تلو المضايقات؛ لكن أكثر الأوروبيين يتحلون بالحكمة والتعقل وينتظرون ما تخرج به السلطات من حلول لإخراج بلدانهم من الأزمة وتداعياتها.

عند الحديث عن الإجرام الداعشي، فهو قبل ذلك فكر ومعتقد يؤدي إلى فعل، في نظرك ما الذي جعل أوربا وخاصة بلجيكا، لما يمكن اعتباره "كاريان طوما" في الدار البيضاء الذي خرج منه انتحاريو 16 ماي الإرهابية؟

عندما يغيب الشيخ والمؤطر، يصبح الإعلام هو الموجه وهو المحرض، في السابق كان المتعلمون يتلقون تعليمهم من الشيخ المربي ذي الأخلاق العليا، الذي يتشرب منه المتعلمون العلم والتربية والأخلاق؛ اليوم، أصبح العالم قرية صغيرة، تطرح فيها عشرات الآلاف من المعلومات المتعارضة، وليست هناك مصفاة لتمييز الغث من السمين، فأصبح العالم يشكل رأيا عاما بالعاطفة، وإلا لنتصور هذا المشاهد طيلة 24 ساعة أينما ولى وجهه في الفضائيات لايجد إلا الدمار والحرب في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا ومصر ودول أسيا التي توجد بها أقلية مسلمة.. الأكيد أن نسبة الحقد والكره ستزداد اتجاه من يعتبره سببا لهذا الدمار، ويستبعد الأسباب الذاتية، من باب "قل هو من عند أنفسكم"، فيحمل هؤلاء المتحمسون -وهُم في عنفوان شبابهم- الغرب المسؤولية عن كل هذه المآسي التي يمر بها العالمان العربي والإسلامي، ويوجه انتقاداته له في البداية بالخطاب، لينتقل بعد ذلك للفعل، وهو ما وقع في تفجيرات باريس.

وهنا أحب أن أضيف أن كثيرا من الأئمة بخطابهم السياسوي التحريضي وبإشغالهم للناس بغير قضاياهم اليومية اللصيقة بهم، هم بذلك يصنعون شبابا حماسيا حاقدا، بمثابة قنابل موقوتة في أوربا تنتظر الضوء الأخضر لتفجير ذواتها في الآخر الذي يحمّلونه المسؤولية عن تردي الأوضاع في بعض الدول العربية والإسلامية، غافلين أن للأسباب الذاتية نصيبًا من هذا التردي؛ وعليه فمسؤولية هذه التفجيرات يتحملها أيضا بعض الدعاة في أوربا، والذين ليس لهم تحصيل معتبر من العلم الشرعي ولا يتمتعون بالأخلاق الإسلامية السمحة. وطالما هذا الفكر الداعشي موجود في أوربا، فهم سيستمرون في عملياتهم الإرهابية، وحتى من كنا نعتبرهم معتدلين، تحولوا لتكفيريين بلحى قصيرة، مستعملين خطابا ينذر ولا يبشر. ولكي نكون متصالحين مع ذواتنا: فالخطاب الشمولي الإقصائي للآخر لكثير من الدعاة -بدعوى امتلاك الحق المطلق- لن يزيد المسلمين إلا تفريخا للقنابل الموقوتة من الشباب سواء في أوربا أو العالمين العربي والإسلامي..

ما هي الخلفية الفكرية لهذا الفكر الداعشي؟

هناك حالة طفولية يعيشها الإنسان التكفيري، وهي تظهر جلية إذا تتبعنا ملامح شخصيته، إذ يسيطر عليهم الفكر التآمري: فالتكفيري يظن على الدوام أن مؤامرة ما حيكت هنا أو هناك ولا يحسن الظن ولا يعطي لنفسه الفرصة كي يعمق قراءته أو يسمع كل الأطراف أو ينظر إلى كل شيء من كل الزوايا. وهنا أحب أن أشير إلى بعض مشخصاتهم:

عندهم مشكلة رفض المراجعات، كالطفل تماما، فلا يريد الاعتراف بالخطأ: فدائما الآخر مخطئ وهو على صواب، ويحمل النصوص على ظاهرها، دون النظر في السياقات، ولا في صلوحية الوقائع لإنزال النصوص عليها، فضلا عن كون هذه النصوص من المحكم أو من المتشابه، من العام الذي بقي على عمومه أو من العام المخصوص أو من العام الذي أريد به الخاص..

يرفضون الالتزام بالعمل بالمؤسسات الدينية لما يكرهونه من القيود الإدارية، فهم لا يحبون أن يكونوا في مؤسسة لها قوانين بل يحبون أن يبقوا عشوائيين لا يحكمهم قانون.

يدعون أنه يتبعون مذهب السلف. مع أنه لا يوجد شيء اسمه مذهب السلف، وإنما كان أسلافنا لهم طرق عدة في الفهم عن الله ورسوله، ولهم آراء شتى في عديد من القضايا.

عندهم أيضا تعدد المرجعيات، فترى لهم أفكارا وقناعات وآراء مختلفة، فتجد أتباع الشيخ فلان وأتباع الشيخ علان. وتجد عندهم تعدد التنظيمات، فيرفضون العمل المؤسسي، ولا يحبون العمل المنظم؛ وهم دائما في معركة مع أنفسهم.

عندهم أيضا تمحور حول الذات، وهم دائما على صواب والباقون على خطأ، ويستسهلون أو يستصغرون ما يفعله الآخر. فأعمالهم هي الموفقة والمسددة دائما.

تتقوى هذه النزعة المحورية بنزعة التواصل المجموعي: فالتكفيريون يخافون من محيطهم، فيحبون الانتماء إلى مجموعاتهم والاحتماء بها بدعوى امتلاك الحقيقة. بالإضافة إلى الرغبة في التقوّي، وهو ما توفره لهم المجموعة حسب ظنّهم.

عندهم أيضا الرغبة في الاختلاف. فهم يحبون أن يختلفوا عن الناس من غير مميز معتبر، فهؤلاء إذن أهل بدعة وفُرقة. وليسوا أهل سنة وجماعة.

وهنا أحب أن أشير أن هناك كتبا ومراجع خطيرة يعتبرها هؤلاء التكفيريون، مصادرَ للفتيا ومراجع علمية،  من قبيل كتب تاريخ ابن بِشر وتاريخ ابن غنَّام والدرر السَّنِية، وهي التي تساهم بحظ وافر  في إنتاج الفكر المتطرف، بالإضافة إلى أدبيات عدد من الحركات الإسلامية التي تدعو إلى تكفير الحاكم، وبطلان كل النظم الحديثة في تسيير الشأن العام.