الأربعاء 24 إبريل 2024
في الصميم

رسائل بنبركة للقيادة الاتحادية في ذكراه الخمسين

رسائل بنبركة  للقيادة الاتحادية في ذكراه الخمسين

ما هي الرسائل التي بثها حضور المهدي بنبركة هذه السنة في سياق ذكرى غيابه الخمسين؟ وهل عاد اليوم ليوحد طاقات اليسار المبعثرة اليوم؟ أم ليباشر انشقاقا جديدا في حزب الاتحاد الاشتراكي على خلفية التفاعلات التي خلفها تنظيم الحزب لذكرى الوفاء بإحدى القاعات السينمائية بالرباط، والندوة الفكرية التي انتظمت بالمكتبة الوطنية بمبادرة من عبد الرحمان اليوسفي، رفيق المهدي والمعتزل عن السياسة منذ سنة 2003، والتي تميزت بتلاوة الرسالة الملكية الفريدة من نوعها، الأمر الذي أغضب رفاق إدريس لشكر الذي منع نشر الرسالة الملكية بصحافة حزبه، مثلما منع تغطية الندوة. تلك بعض الأسئلة التي أحاطت باستعادة ذكرى غياب المهدي الذي يجعل عودته، كل سنة، موسومة بطعم مختلف تحدده طبيعة سياقات المشهد السياسي الوطني، وتوترات أو انفراجات هذا المشهد. في هذا الإطار كانت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تجدد عمليات الاغتيال سنويا بتأثير من تفاعلات الصراع بين النظام والاتحاديين، واليساريين بشكل عام. ولذلك لم تكن طقوس الاحتفاء بالذكرى تتجاوز، في أحسن الحالات مقرات الاتحاد، بخلاف ما حدث إثر انفتاح النظام على المعارضة، وتعبيره عن الرغبة في طي ماضي الانتهاكات الجسيمة، وإقامة المصالحة مع الذاكرة المغربية الجريحة. وقد تجسدت هذه الرغبة في تدشين «التناوب التوافقي» بقيادة اليوسفي خلال الفترة الممتدة من 1998 إلى 2002، والتي كان رفاق المهدي وعائلته يأملون أن يشهد الملف فيها كشفا للحقيقة، خاصة أن وزيرين اتحاديين توليا في حكومة التناوب حقيبة وزارة العدل. وبالفعل فقد صفيت الكثير من الملفات العالقة، وتم جبر الضرر المادي والمعنوي لفائدة الكثير من ضحايا سنوات الرصاص، فيما ظل ملف المهدي معلقا إلى اليوم. في هذه الظرفية بالذات، أقيم احتفال الاتحاد يوم 29 أكتوبر2015 حيث جدد الكاتب الأول إدريس لشكر المطالبة بالكشف عن الحقيقة كاملة. وهو نفس المطلب الذي أكد عليه اليوسفي خلال الندوة الفكرية التي نظمها يوم 30 أكتوبر بالمكتب الوطنية. في هذا السياق كذلك، دخل الملك محمد السادس على الخط من خلال رسالته الموجهة إلى اليوسفي، والتي تضمنت مقاربة ذات بعدين: الأول سياسي اختار من خلاله محمد السادس أن يتحدث عن مكانة المهدي ودوره في مقام غير حزبي حتى تندرج مبادرته، في ما يبدو، ضمن الاصطفاف الحزبي المطبوع عادة بالتوترات والحسابات السياسية الضيقة. أما البعد الثاني فذو توصيف فكري يروم استعادة ذكرى المهدي في أفق المصالحة مع الذات والتاريخ والذاكرة، على اعتبار أن المغاربة ينتمون إلى التاريخ باعتباره كلا لا يتجزأ بإيجابياته وسلبياته، وذلك بالتشديد على وجوب «استخلاص الدروس والعبر من قضية بنبركة، وجعلها في صالح الوطن». وضمن هذا البعد كان واضحا أن الملك يؤكد ما معناه أن قراءة التاريخ لا ينبغي أن تباشر بما يفيد أسر هذا التاريخ في اعتبارات الماضي وتجاذباته، ولكن للدفع بمسلسل البناء. وهو ما رأى فيه اليوسفي مدخلا لمعالجة الملف. ومع ذلك فالذكرى الخمسون لم تنزل بردا وسلاما على قيادة الاتحاد التي لم تر نفسها المخولة مؤسساتيا لكل مقاربة رسمية للموضوع. وقد تعمق هذا المنحى على خلفية الوضع غير المريح الذي يعيشه الاتحاد الاشتراكي بعد نتائج الاستحقاق الانتخابي الأخير. ما أدى بكثير من الاتحاديين إلى المناداة بمحاسبة القيادة، أو إلى الإعلان عن الاستقالة أو تجميد العضوية، وتعمق المنحى أكثر بحضور ندوة اليوسفي أسماء سياسية وضعت نفسها، بأشكال مختلفة، على مسافة مع اتحاد لشكر. يتعلق الأمر بمحمد الأشعري وفتح الله ولعلو ومحمد الساسي. ولذلك كان رد فعل القيادة الاتحادية منع صحافة الحزب من نشر تغطية عن فعاليات الندوة بما فيها الرسالة الملكية، وهو ما لم يحدث من قبل تماما كما لم تكن هناك ندوة أو رسالة ملكية، ونشرت المتابعة الصحفية تم تدارك الأمر بعد أن «حمض» الحدث. كل هذه التفاعلات تسمح للمحللين والمتابعين للمشهد الحزبي ولواقع الاتحاد خصوصا بالتساؤل حول ما إذا كانت مبادرة اليوسفي تعبيرا منه عن الحاجة إلى اتحاد جديد في إطار الحلم بتجمع يساري كبير يعبئ الطاقات من أجل مواجهة هذا الصعود المتنامي للأصوليين، وفي هذا الإطار يقرأون توجيه الرسالة الملكية إلى الندوة، بعد فشل حزب الأصالة والمعاصرة في القيام بهذا الدور، خاصة أنه لم يتمكن من رفع التهمة عنه باعتباره أشبه بالأحزاب الإدارية التي أسسها المرحوم الحسن الثاني في مرحلة سابقة. وإذا صحت هذه التأويلات التي تؤشر عليها الذكرى الخمسون فسنكون إزاء معادلة سياسية جديدة. فهل غادر اليوسفي موقف الاعتزال باتجاه الانخراط في بناء اتحاد جديد كما فعل المهدي، لحظة الانشقاق عن حزب الاستقلال سنة 1959؟ أم أنه سيقتفي أثر الشخصية الموحدة التي تأتي لإنقاذ الاتحاد من مزيد من التمزق بإعادة اللحمة بين الاتحاديين، الباقي منهم تحت قيادة لشكر والخارجين من الإطار؟ أم أن الأمر لا يعد سوى إشارة وفاء من اليوسفي تجاه رفيقه المغيب، تماما كما فعل مع إحياء أربعينية أحمد بن بلا والمفكر محمد عابد الجابري لا أقل ولا أكثر كما يؤكد ذلك المقربون من دائرة قائد التناوب التوافقي؟ إنه السؤال الأكثر جدة الذي يبعث به المهدي في ذكراه الخمسين.