الثلاثاء 23 إبريل 2024
في الصميم

من جعل طنجة عاصمة للبارود؟!

من جعل طنجة عاصمة للبارود؟!

في مناسبة سابقة، وفي هذا الركن بالذات طرحنا السؤال التالي: لماذا يغلي الشمال علما أن الدولة ضخت فيه 24 مليار درهم كاستثمار عمومي في ظرف عشرة أعوام؟! مناسبة إحياء السؤال، ما تعيشه طنجة وتطوان والفنيدق من احتجاج يومي غير مسبوق للسكان ضد شركة أمانديس عقب الارتفاع الصاروخي لفاتورة استهلاك الماء والكهرباء بسبب مراجعة حكومة بنكيران للشبكة المرجعية للتعرفة. فأن يحتج سكان أزيلال أو طاطا أو جمعة سحيم أو قصبة تادلة أو إيمنتانوت آو خميس متوح أو طان طان أو آولاد تايمة، فالأمر مفهوم نسبيا بالنظر إلى أن الدولة لم تنفق في هذه المناطق أي شيء يذكر خلال السنوات الماضية، لكن أن يقع الاحتجاج في عاصمة الشمال التي أنفقت فيها الدولة 2.5 مليار درهم كل عام، فهنا ينتصب السؤال: إما أن الدولة تكذب ولم ترصد الاستثمارات العمومية المذكورة في مدن الشمال، وإما أنها فعلا أنفقت المال المعلوم لكن لم يكن له أي أثر على الإنسان وعلى التنمية البشرية. فإذا أسقطنا الصحراء التي تستنزف ميزانية البلاد بحكم المجهود الحربي والتعبئة الدائمة ضد الجزائر، لا نعثر على منطقة بالمغرب حظيت بمثل ما حظي به الشمال من اهتمام مركزي للسلطة العمومية. وبدل أن يتحول الشمال إلى واحة استقرار أضحى مصدر إرهاق للمالية العمومية من حيث التعبئة المستمرة لقوات التدخل السريع ومختلف قوات الأمن (وقاية مدنية + شرطة + مخزن متنقل...إلخ.) مع ما يترتب عن ذلك من إنفاق (سيارات + مدرعات + خراطيم المياه + قنابل مسيلة للدموع + تعويض الساعات الإضافية + محروقات...إلخ). فحينما يتم تفكيك خلية إرهابية يتم الإعلان عن كون الشمال هو المنبت الرئيسي للجهاديين. وحينما تتحرك إيران لنشر المذهب الشيعي بالمغرب نجد طنجة هي «رأس الحربة» في تصدير التشيع لباقي التراب الوطني. وحينما يتم القبض على شبكة للمخدرات تكون مدن الشمال هي الحاضن لهذه المافيات. وحينما يتمرد الوهابيون والسلفيون المتحجرون نجد أن الأوامر تصدر من مشايخ التزمت بمدن الشمال. وحينما يقع العصيان على رموز السيادة (قتل رجال البوليس أو الاعتداء على ممتلكات الشرطة) تعطينا طنجة المثال الأسوء. وحينما يتم الاعتداء على حق المغاربة في التنوع والتعدد تكون طنجة هي النشاز في تعبئة أئمة الظلام ضد التدين المغربي وضد ما اعتاده المغاربة منذ قرون... إن هذه المفارقة تحتاج إلى وقفة وإلى مساءلة السلطات. فطنجة قبل الاستقلال كانت قبلة العالم وقبلة الفنانيين وكبار الأدباء والمفكرين، وهذه الجاذبية كانت تتحقق لطنجة آنذاك دون أن تصرف عليها الدولة سنتيما واحدا. واليوم، بدل أن تحافظ طنجة على مكانتها العالمية أصبحت تسوق كمدينة حاضنة للتطرف والتشيع وللوهابية والحشيش والهشاشة والإقصاء رغم ما ينفق عليها من ملايير. ويزداد الخلل حدة، حينما نضع الاحتجاج الحالي في سياق سياسي مرتبط باقتراع 4 شتنبر 2015، وهو الاقتراع الذي لم يطعن فيه أي أحد سواء داخل المغرب أو خارجه «أقصد الطعن السياسي». هذا الاقتراع أفرز «قوتين» سياسيتين تدعيان أحقية تمثيل سكان طنجة. القوة السياسية الأولى، هي حزب «المصباح» الذي حاز مقاليد بلدية عاصمة البوغاز، فيما تتجلى «القوة السياسية» الثانية في حزب «البام» الذي يتولى تسيير الجهة. أقول بوجوب استحضار السياق السياسي والانتخابي لأن كل حزب أمطر الرأي العام بأنه «السيد» في طنجة وبأن «الجماهير» تأتمر بأوامره، والحال أن ادعاءات كل من حزبي «المصباح» و«البام» هي ادعاءات كاذبة، لأن طنجة المليونية لم يحصل فيها حزب العدالة والتنمية سوى على 65 ألف صوت، إلا أن طبيعة التقطيع الانتخابي وطبيعة نمط الاقتراع الكارثي المعتمد ببلادنا تمنح لكل من حاز على «كمشة أصوات» أن يسير البلاد ويدعي أنه يمثل الشعب. الدليل أن «البام» و«المصباح» لو كانا يمثلان «شعب طنجة» لما تم تجاوزهما ولما تم الاستهتار بخطابات التهدئة الصادرة عن زعماء «المصباح» و«البام». وهذه كارثة أخرى تضاف إلى مميزات طنجة: شعب غيرمحظوظ بنخب جادة، و«حكام» يسيرون مدنا وجهات بدون شعب يعترف بمشروعية المنتخبين. هناك مشكلة ما وهناك خلل ما..