الثلاثاء 23 إبريل 2024
مجتمع

وزير الصحة يوظف إغلاق مصحة وتوقيف طبيب لصرف أنظار الرأي العام عن فشله في إنهاء إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة

وزير الصحة يوظف إغلاق مصحة وتوقيف طبيب لصرف أنظار الرأي العام عن فشله في إنهاء إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة

مر حوالي شهر على توقف الدراسة بكليات الطب والصيدلة بالمغرب، ولا يقدر حجم خسارة هذا التوقف إلا الأطر المشرفة على التدريس وعلى التكوين، ومع ذلك لا زال وزير الصحة غير قادر على وضع نهاية لشلل هذه الكليات وللشلل الذي تعاني منه المستشفيات الجامعية بعدما التحق الأطباء الداخليون بزملائهم الطلبة الخريجين في إعلان الإضراب.

وتذكر مصادر مقربة من تنسيقية الطلبة الأطباء الذين يحاورون وزير الصحة أن الحوار معه لم يفض إلى نتيجة وأنه عبارة عن جدل عقيم لا طائل من ورائه طالما ظلت مطالب الطلبة معلقة. ومما سجل على الوزير من محاولات تضليل الرأي العام الوطني أنه يحاول تصوير تحرير تقارير عن لقاءاته مع الذين يحاورونه نيابة عن الطلبة أنهااتفاقات، وأن محاوريه لا يلتزمون بها.

والملاحظ أن وزير الصحة يراهن على تضليل الرأي العام الوطني من أجل تأليبه على طلبة كليات الطب والصيدلة من خلال رسم صور مشوهة لهم تجعل الشارع يمقتهم ويزدريهم لأنهم يرفضون القيام بالواجب الوطني المقدس في القرى والبوادي والأرياف. وفي إطار الحملة التضليلية التي يتذرع بها وزير الصحة لتمرير قراره الذي يريد به التخلص من مسؤولية توظيف أطباء بعد إنهاء دراستهم وتكوينهم، وهو مشكل كل القطاعات العمومية بسبب سياسة التقشف الناتجة عن سوء التدبير والتي ترتبت عنها بطالة جيوش جرارة من الشباب في مختلف التخصصات بعد إنهائهم دراستهم. فالطلبة الأطباء كغيرهم من الطلبة خريجي الجامعات والمعاهد في مختلف التخصصات وجدوا أنفسهم بدورهم مهددين بالبطالة بعد تخرجهم، وهم يحاورون الوزير في موضوع بطالتهم بعد إنهاء دراستهم بسبب شح مناصب الشغل، وهو المشكل الذي لا يرغب الوزير في أن يطرح ويعرفه الرأي العام. فتشغيل الطلبة الأطباء سنتين بعد تخرجهم ثم تسريحهم هو استخفاف بدراستهم وبتكوينهم وبالطب والأطباء. والوزير يظن أنه في منتهى الشطارة والذكاء لأنه بفرض ما يسميه الخدمة الإجبارية سيريح الدولة من عناء البحث عن توفير مناصب شغل بحيث يتناوب على مستوصفات القرى والبوادي والأرياف خريجو كليات الطب وغالبيتهم سيكون تخصصهم طب عام ويشتغلون في مستوصفات بدون تجهيزات أو أدوية عوض تعيين أطباء قارين وبمختلف التخصصات وبكامل التجهيزات المتوفرة في مستشفيات المدن الكبرى إن صح أن تجهيزات هذه المستشفيات متوفرة بالفعل.

ولا يمكن اعتبار تغطية القرى والبوادي والأرياف بأطباء يقضون سنتين مما يسميه الوزير خدمة إجبارية سياسة تطبيب موفقة بل هي سياسة ترقيعية فرضتها حالة التقشف التي أفضى إليها سوء التدبير، وغياب محاسبة الذين تسببوا فيها. إن الطلبة الأطباء إنما ولجوا كليات الطب ليجدوا مناصب شغل بعد تخرجهم لا ليقضوا سنتين من الخدمة الإجبارية ثم  يجدون أنفسهم بعد ذلك ضحايا البطالة الجامعية على غرار زملائهم خريجي مختلف الكليات والجامعات والمعاهد .ومن أساليب تضليل وزير الصحة الرأي العام توظيف قضية توقيف طبيب ضبط يمارس المهنة في  مصحة خاصة دون ترخيص  من الوزارة ، وإغلاق المصحة التي شغلت هذا الطبيب لقياس إضراب طلبة كليات الطب على هذه القضية ،علما بأنه لا أحد يجادل الوزير في  معاقبة  طبيب  خرق قانون المهنة هو أو المصحة الخاصة المشغلة له ، بينما لا أحد يتفق مع الوزير في تخرج طلبة كليات الطب وقضائهم سنتين من الخدمة الإجبارية في البوادي والقرى والأرياف  دون تجهيزات طبية ثم مواجهة البطالة بعد ذلك لأنه ليس كل من سيتخرج من كليات الطب يستطيع فتح عيادة خاصة به . إن المشكل المطروح أمام وزير الصحة هو كيف يمكن ضمان مناصب شغل للطلبة الأطباء خصوصا وأن المغرب في حاجة ماسة لعدد الأطباء المناسب لعدد سكانه وفق المعايير المعمول بها دوليا. فهل وصلنا حد التخمة لنسرح الأطباء ونستغني عنهم ونقنن عدد الوظائف في المستشفيات العمومية بذريعة عدم وجود مناصب مالية؟ فإذا كان وزير الصحة عاجزا عن إيجادحل لهذا المشكل فليعرف قدر نفسه وليجلس دونه، وليتقدمباستقالة، وليترك الأمر لغيره ممن يستطيع أن يحل ما استعصى عليه، ولا يتشبث بمنصب ثبت أنه فوق ما يطيق ومايستطيع. ومن الأمور التي وظفها وزير الصحة توظيفا إشهاريا بخسا إغلاق ما يسمى ”بويا عمر”، حيث ظلت مخلوقات بشرية فقدت نعمة العقل تعاني لعقود من السنين لأن المغرب كان ولا زال يفتقر إلى مستشفيات لاستقبال هذا النوع من المرضى البؤساء والذين يتيهون على وجوههم في الشوارع التي لا ترحم ،لهذا وجدوا أنفسهم في ضيافة ”بويا عمر”. وإغلاق ”بويا عمر” لا يعد مفخرة بل هو واجب كان من المفروض أن يكون قبل عقود لأن ” بويا عمر ” سبة ومعرة . ولا يمكن اعتبار وضع حد لهذه السبة والمعرة مفخرة يدعيه وزير الصحة أو غيره.

ومن المؤسف أن التعليقات المسجلة على مواقع التواصل الاجتماعي في ذيل خبر توقيف طبيب غير مرخص له العمل بمصحة خاصة وإغلاقها وهي تشيد بالواجب المفروض على الوزير القيام به أقحمت إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة مسوية بينه وبين خطإ الطبيب المعاقب من طرف الوزير، علما بأنه لا مجال للمقاربة بين الأمرين. ونظرا للخطاب السوقي  أو الشعبوي كما يقال أحيانا في حديث وزير الصحة، فإنه يدغدغ  مشاعر العوام لأنهم يعتقدون أن الوزير بالفعل يدافع عن قطاع الصحة في البوادي والقرى والأرياف ، وأن طلبة كليات الطب يرفضون العمل بهذه الأماكن ، والحقيقة أن هؤلاء الطلبة أكثر صدقا وغيرة على القطاع من الوزير لأنهم يريدون مناصب شغل بعد قضاء فترة الخدمة الاجبارية في حين يريد الوزير حلا ترقيعيا لقطاع الصحة في البوادي والقرى والأرياف بحيث لا يوفر لها أطباء قارين بل يريد أن يتناوب عليها أطباء مجندين في إطار الخدمة الإجبارية، وذلك لتبرير عجز الحكومة في توفير مناصب شغل للأطباء ومواجهتها لمشكل البطالة الطبية التي لا توجد بأي قطر في العالم بأسره .

ومعلوم أن الحكومة تتبنى سياسة التقليل من مناصب الشغل بسبب العجز المالي الذي تسبب فيه المفسدون والذين بسببهم أفلست البلاد، ولم تعد ميزانيتها قادرة على خلق مناصب شغل للشباب الذي نطالبه بالشواهد لكننا نتنكر له حين يطلب مناصب شغل. وأخيرا على وزير الصحة أن ينهي إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة بتقديم استقالته أولا ليفسح المجال لغيره ممن يجيد الحوار ويستطيع حل المشاكل ويجيد تدبير القطاع لأن قطاع الصحة ليس كله ”بويا عمر”  كما يعتقد معالي وزير الصحة والذين تطربهم خرجاته الشعبوية الحماسية علما بأن حسن التدبير لا يعني جحوظ العينين ورفع العقيرة بالصراخ والاسفاف في الكلام والتهديد والوعيد والاستخفاف بالطلبة الأطباء المضربين وازدرائهم.

المصدر: محمد شركي (وجدة البوابة)