في الجزائر سود، وهم جزائريون فعلا، أصلهم وفصلهم من هذا البلد الضاربة جذوره في أعماق التاريخ التليد، هم في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب وهم في بلاد القبائل الكبرى والصغرى، يتحدّثون العربيات الجزائرية والبربرية بمختلف ألسنها من القبائلية إلى المزابية إلى الشاوية ومع ذلك برغم كل هذا التجذّر في أغوار هذه التربة لازال ينظر إليهم وكأنهم غرباء في بلدهم لأنهم يتميّزون بلون بشرة مختلف، بشرة الأقلية السوداء في الجزائر وظل هذا يحدث من وقت بعيد في صمت يعكس فيروس العنصرية الكامن في أعماق الكثيرين منا، فيروس لم تمتلك النخبة الثقافية والسياسية لإثارته أمام الرأي العام يوما.. فيروس تحوّل إلى طابو رحنا بألف شكل وشكل نسعى لتجنّبه ونحن مختفون وراء البلاغات والتوريات التي تغطي على عنصريتنا الثقافية تجاه أبناء جلدتنا الذين لم يتجرأوا يوما بالتعبير علانية وذلك أب عن جد عن تلك الآلام التي كانت تعذّبهم وتثير شجونهم وهم يسمعون يوميا وعبر مختلف الأزمان تلك الأوصاف المنحطة التي ينعتونهم بها المعتبرون أنفسهم أشرافا وبييضا وأولاد الباع والقاع، واتخذ هذا الفيروس أشكالا متعدّدة ظلّت تتراوح بين التعابير المطاطة والخادعة تارة والمنافقة تارة أخرى، فيروس يكشف عن اللامساواة وغلبة النزعة المتكئة على سلطة الأغلبية المتسلطة والقاهرة للأقليات باسم الوحدة الوطنية حينا وباسم وحدوية الجموع المتخذة معنى الشعب حينا آخر، وتجلى هذا ولا زال في غياب الأسود الجزائري من مشهد صناعة القرار ومن المشهد السياسي عموما، لم نشهد إلا في النادر جدا جزائريين سودا في مناصب مدنية أو عسكرية عليا، أو على رأس أجهزة مهمة في الدولة، وقد رأينا كيف راح التلفزيون الجزائري يسعى إلى تلميع واجهته ببعض الضيوف والصحفيين ذوي البشرة السوداء عشية اندلاع أحداث الجنوب.. إنّ السود أقلية تعرّضت لوقت طويل إلى إقصاء ونبذ مبطنين بسبب اللون، ولذا فإعادة ردّ الاعتبار لهذه الأقلية هو بالدرجة الأولى هو اعتراف بوجود الجزائر المتعددة ثقافيا، اثنيا، دينيا وجنسويا ومثل هذا الاعتراف هو البداية الحقيقية للطريق المؤدي إلى الدولة المدنية والجمهورية الثانية. اللّهم بارك.
كتاب الرأي