الأربعاء 27 نوفمبر 2024
فن وثقافة

الطاهر بن جلون: هذا الطفل إخفاق البشرية!

الطاهر بن جلون: هذا الطفل إخفاق البشرية!

أطفال يموتون كل يوم بسبب مرض أصابهم، أو بسبب حادث من الحوادث. ولعل هذه المصيبة أفظع المصائب في الحياة. ولكننا اليوم أمام طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، قُتل على يد الأسد. طفل كان يمكن أن يعيش، وأن يذهب إلى المدرسة، وأن يرقص ويضحك، وأن يلعب، ويسرم ويحلم.

في سوريا، أقدم دكتاتور على استعداد لأن يفعل أي شيء حتى يبقى في منصبه على جعل شعبه رهينة، في ظل لامبالاة العالم. فمن رحم هذا الوضع فارق هذا الطفل الصغير الحياة.

كم عُمر أطفال بشار الأسد؟ هل هم ينامون نوما هادئا؟ هل راجعوا طبيب الأسنان لمنع تسوس الأسنان؟ هناك قلق عليهم، في البيت الكل يريد أن يعرف إن كانوا يتمتعون بصحة جيدة، وإن كانوا لا يفتقدون إلى أي شيء.

لأنه من حول بيتهم يحاول مواطنون مسلحون أن يرسلوا والدهم بشار إلى مهنته الأولى: الطب. ولكن والدهم هذا مشغول جدا. فهو ليس متأكدا من أنه سيجد في المساء الوقت الكافي لكي يحكي لهم حكاية من الحكايات الشعبية قبل أن يناموا ويحلمون أحلاما جميلة. فمن يدري، فلعله أرسلهم بعيدا، إلى لندن على سبيل المثال، حيث يمكنهم أن يعيشوا في أمان تام، برفقة والدتهم.

“أنا أو الفوضى الإسلامية”

قامت الحرب، ومن بعدها جاءت الهجرة. لاجئون سوريون تائهون مشرّدون عبر العالم. لا تستطيع أوروبا اليوم أن تتجاهل عواقب هذه الحرب.

عندما نزل الشعب السوري إلى شوارع دمشق في احتجاج سلمي ضد الدكتاتورية التي ورثها بشار عن والده حافظ، لم يستقبله بشار بالنوافير المائية، ولكن بوابل الرشاشات التي خلفت مئات القتلى. كان ذلك في مارس 2011. كان العالم يعرف جيدا ما تقدر عليه هذه العائلة المشؤومة من أجل البقاء في السلطة. كان الأب قد أعطى المثال عندما قتل في فبراير 1982، 40 ألف معارض في حماة، مع إفلات تام من العقاب. وقد حدث هذا في تعتيم مطلق.

وبدعم من روسيا وإيران، شرع بشار في حرب لا هوادة فيها ضد شعبه. ومنذ ذلك الحين، تعقدت الأمور وتداخل فيها الإسلام الراديكالي، وهو ما خدم استراتيجية بشار الذي يقول للعالم اليوم:”أنا أو فوضى الإسلاميين!”

بعد ذلك جاء استخدام الأسلحة الكيميائية في أغسطس 2013. فانزعج أوباما قليلا. فقط انزعج قليلا، تكدر صفه قليلا، ليس إلا. وراح الأوروبيون ينتظرون ما ستفعله أمريكا. ولم تفعل أمريكا شيئا. وهكذا صدرت “رخصة القتل” لأكبر قاتل: بشار الأسد.

ويذكرنا هذا القتال بصمتنا وعجزنا.

ملايين السوريين فروا. مليون إلى لبنان. وأكثر قليلا من ثلاثة ملايين آخرين انتشروا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عائلة الصبي الصغير الذي وُجد ووجهه في الرمال على شاطئ بودروم، في تركيا. كان القارب من المفترض أن يتجه إلى كوس، في اليونان. ومن سوء الحظ حلت به المأساة، وهذاهو ذا غرَقُ ليس فقط عشرة مواطنين سوريين طُردوا من ديارهم بسبب الحرب وعدم اكتراث العالم وحسب، وإنما غرَقُ إنسانية مرضوضة، ومنخدعة، يجلب مصيرها العار إلى العالم أجمع.

فكما كتب أحدهم عند رؤية هذا الطفل فإن الجثة الهامدة، تعني “إخفاق بشرية”. إنها الحضارة في كل إخفاقاتها. إنه انتصار الهمجية، سواء جاءت من صفوف داعش، أو من رأس بشار.

هذا الطفل الذي قذفته الموجات يُذكرنا بالطفلة الفيتنامية التي كانت تجري عارية لتفر من القصف. ويذكرنا بصمت البعض وبعجز النفوس الطيبة، ولكنه على الخصوص يُخبرنا بأن هذه هي طبيعة العالم اليوم: الهمجية. إنهم يقتلون، ويذبحون ويصوّرون المذبحة.

الشعب السوري مهجور من قبل الجميع. وغدا سيأتي شعب آخر ليلقى نفس المصير.

هذا هو مستقبل العالم. من قبلُ كنا نؤمن بالتضامن والطيبة والإنسانية. لكن كل هذا انتهى. بشار، بعد العديد من قتَلة شعوبهم، يقول لنا في هدوء “أن أو الفوضى”، الفوضى التي تخترعها مصالحه الاستخباراتية. وهكذا تمت اللعبة

صورة الولد الصغير ستطارد لياليه. ولكن، بعد أن تجرَّد بشار من إنسانيته فلن يشعر بأي عاطفة، ولن يحرك ساكنا، وسوف يقضي لياليه هانئا مطمنا، حتى يأتي اليوم الذي لن يبقى فيه شعبٌ سوري… في سوريا.”