انقضت ثلاث سنوات من عمر حكومة بنكيران التي أمسكت بزمام الحكم منذ يناير 2012، وهي مسافة زمنية كافية لمساءلة الحصيلة الحكومية بنجاحاتها وإخفاقاتها من خلال تبني قراءتين متناقضين نسعى من خلالهما إلى وضع القارئ أمام المشهد العام ليستخلص بالأرقام والمعطيات، على ضوء معيشه اليومي، إن كنا بالفعل بصدد حكومة تراكم النجاح، أم أننا فقط بصدد عمل تنفيذي مهترئ يهدد، في كل لحظة، بالتراجع عن المكتسبات التي تحققت للبلاد.
بصدور هذا العدد، تكون قد مرت ثلاث سنوات ونصف على تنصيب حكومة عبد الإله بنكيران الذي يقود الأغلبية الحكومية منذ يناير 2012، وهي مسافة زمنية كافية لتقييم عملها على ضوء برنامجها الحكومي، وطبيعة السياقات الوطنية والعربية التي انبثقت عنها، خاصة أنها أول حكومة تتشكل عقب مخاضات ما يسمى الربيع العربي، والتي كان من علاماتها إصدار دستور 2011 الذي متع مؤسسة رئيس الحكومة بصلاحيات واسعة، وعزز العمل التنفيذي بعدد من المؤسسات والتشريعات الدستورية التي تقر مفهوم الحكامة وتربط المسؤولية بالمحاسبة...
من هنا يكتسب التقييم مشروعيته باتجاه مساءلة الحصيلة الحكومية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما يتجه التقييم نحو مساءلة الحصيلة التشريعية والدبلوماسية لهذه الحكومة. ومن باب المقاربة الموضوعية لابد أن نستحضر ضمن هذا الملف تصورات الحكومة لما تعتبره إنجازات ملموسة تدافع عنها من خلال عملها اليومي وتصريحات وزرائها، أوتصريحات رئيس الحكومة خلال جلسات المساءلة الشهرية أمام أنظار البرلمان.
في هذا الإطار تعتز الحكومة بما تعتبره نجاحات غير مسبوقة، قياسا على عمل الحكومات السالفة، كحرصها على ضبط التوازنات المالية، وضمن هذا الباب يأتي الحديث عن فتح أوراش كانت محظورة، سابقا، من قبيل إصلاح صندوق المقاصة الذي كان مساحة محرمة في السياسة العمومية منذ خلق هذا الصندوق. مثلما يأتي الحديث عن السعي إلى إصلاح نظام التقاعد. مع ما رافق ذلك من مبادرات جديدة لدعم مغاربة الهامش من قبيل إقرار نظام المساعدة الطبية (راميد)، ومساعدة الأرامل، والزيادة في منح الطلبة، والتخفيض من أثمنة الأدوية، والنجاح في الحد من التوظيف المباشر...
مقابل هذه القراءة الإيجابية، تنتصب المعارضة والراصدين داخل باقي مكونات الجسد الحزبي والمدني لتوجه انتقادات شديدة للأداء الحكومي تحت عنوان عريض: فشل الجهاز التنفيذي في مباشرة إصلاح هيكلي يذهب إلى معالجة جوهر المعضلات المجتمعة، ولا يقف فقط عند ما يمكن أن يعتبر هوامش هذه المعضلات وأعراضها، بما يجسد الأثر الاجتماعي للإصلاح، لا فقط الارتهان لإكراهات التوازنات المالية، ومن خلالها الوقوع في أسر الهيئات المالية الدولية، وما يترتب عليه من تأثير في نسبة النمو، وارتفاع المديونية الخارجية والرفع في الضرائب...
في سياق غياب الإصلاح الحقيقي، تسجل الأصوات المعارضة فشل الحكومة في معالجة القضايا الحيوية للمجتمع المغربي من قبيل إشكالية التعليم التي لا تزال تراوح المكان، وملف القضاء ومعضلة التشغيل، مثلما تسجل فشلها في الوفاء لالتزاماتها المدوية أثناء الحملات الانتخابية، وفي التصريح الحكومي، والقاضية بمحاربة اقتصاد الريع، وبفتح ملفات الفساد، وبتفعيل الحوار الاجتماعي، وبتوفير الشروط الموضوعية لتحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، ومواجهة كل أصناف الهشاشة في المدن والقرى. في نفس الإطار يسجل الإمعان في التضييق على الحق الدستوري في الإضراب، والتبجح بذلك نكاية في الشغيلة، وضمن ذلك يرى المعارضون اعتبار إصلاح صندوق المقاصة بدون استراتيجية اجتماعية مغامرة غير محسوبة العواقب لأنه يتم على حساب الإجهاز على القدرة الشرائية التي تعرف تدهورا متواصلا منذ تشكيل الحكومة.
إضافة إلى ذلك، تسجل الأصوات المعارضة ضعف المردودية الدبلوماسية للحكومة، إذ تحسب للملك وحده قوة المبادرة الخلاقة في هذا المجال. عكس الحزب الأغلبي الذي يرى خصومه أنه يضع الولاء للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين في صدارة انشغالاته الوطنية والإقليمية والدولية. وذلك بخلاف حكومة عبد الرحمان اليوسفي الذي كان يخترق المنتديات الدولية بروح مختلفة، محققا للقضية الوطنية مساحات تأييد مضاعفة.
وتُنتقد الحكومة، على المستوى التشريعي، من خلال عدم التزامها بالمخطط التشريعي، الذي سبق أن أعلنت عنه في مفتتح عملها، بحيث لا يزال تفعيل الدستور، في كثير من جوانبه، غير منزل بفعل تأخر صدور النصوص التنظيمية لعدد من المشاريع والهيئات الدستورية ذات المفعولية الأساسية في النسيج الوطني من قبيل هيئات الأسرة والطفولة والمناصفة ومكافحة كل أشكال الميز والمجلس الوطني للثقافة واللغات المغربية وترسيم الأمازيغية...
وفي إطار الانتقادات دائما، تعتبر الحكومة قد سقطت، على المستوى السياسي والأخلاقي، بعد أن تم الانحدار بالخطاب السياسي لرئيس الحكومة لفظا ومضمونا، حيث لا يتوانى في تعليق فشله في عدد من بعض الملفات على العفاريت والتماسيح والدولة العميقة، وعلى تبني خطاب المظلومية، والمزايدة الساقطة مع المعارضين، سواء كانوا داخل البرلمان أو خارجه. كما ساهمت الفضائح الأخلاقية والإدارية المنبثقة من داخل الرواق الحكومي في تزكية الشعور بعبث العمل الحكومي، وباستخفاف بعض الوزراء بجسامة المسؤولية السياسية.
مجمل القول إننا إزاء قراءتين متناقضين نسعى من خلالهما إلى وضع القارئ أمام المشهد العام ليستخلص بالأرقام والمعطيات، على ضوء معيشة اليومي، إن كنا بالفعل بصدد حكومة تراكم النجاح، وتعمل فعلا من أجل استقرار البلاد على المدى القريب والمتوسط والبعيد، أم أننا فقط بصدد عمل تنفيذي مهترئ يهدد، في كل لحظة، بالتراجع عن المكتسبات التي تحققت للبلاد.
هي إذن مساحة حرة لتجديد القراءة، ولمباشرة التأمل النقدي في الشأن العام، من زاوية الرأي والرأي المختلف.
(تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في غلاف العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"، تجدونه في كل الأكشاك)