يعيش سكان مخيم شعفاط الواقع شمال شرق مدينة القدس، في ظروف معيشية صعبة تفتقر إلى الحد الأدنى من الحياة الإنسانية والخدماتية والاجتماعية، ترتب عنها ظهور العديد من المشاكل التعليمية والصحية والبيئية والنفسية بين أبناء المخيم.
ومن خلال جولاته بالمخيم، لاحظ موقع "أنفاس بريس" أن الاكتظاظ السكاني يعد مشكلة رئيسية للاجئين بالمخيم بسبب تدفق أعداد هائلة من الذين لم يسعفهم وضعهم الاقتصادي في إيجاد سكن في أحياء البلدة القديمة بالقدس العتيقة.
وفي تصريح لـ "أنفاس بريس" أوضح محمود أبو الهدى وهو من سكان شعفاط، أن زيادة عدد السكان في المخيم من غير اللاجئين أدى إلى الاكتظاظ من أجل الحفاظ على الإقامة في القدس لأن القانون الإسرائيلي يحرم المقدسيين من بطاقة الإقامة في حال إقامتهم خارج حدود بلدية القدس.
و أبرز أبو الهدى الذي رافق "أنفاس بريس" في جولاتها داخل المخيم، أن مخيم شعفاط يعاني من جملة ما يعانيه من بنية هشة تتمثل في تلاشي شبكة المياه العادمة، وبناء البيوت عل أسس متهالكة، وإلقاء السكان لنفاياتهم خارج حاويات الأزبال، وتفشي ترويج واستهلاك المخدرات خاصة بين الشباب، بسبب غياب المرافق الرياضية والاجتماعية التي بإمكانها استيعابهم وترشيدهم واستثمار طاقاتهم ومواهبهم فيما يعود عليهم بالنفع، مشيرا إلى أن هذا الوضع العام القاتم بالمخيم لا يسمح لهؤلاء الشباب بالبروز ويضيق عليهم
وأضاف مرافقنا أن عدد سكان المخيم يصل إلى حوالي 40 ألف نسمة، ويقع ضمن حدود بلدية القدس مما يتيح لمن سكن بالمخيم الحفاظ على الهوية الزرقاء حسبما يفرضه ما يسمى بمركز الحياة الإسرائيلي، ومن هنا، يستطرد محدثنا، فإن جزءا كبيرا من سكان المخيم حملة هذه الهوية توجهوا إلى هذه المنطقة وتملكوا فيها واستأجروا، ومع حاجة الناس إلى السكن تعالت البنايات وازدحمت وامتلأت سكانا تحث ظروف غاية في الصعوبة، إن هذا الكم الهائل من السكان، يقول أبو الهدى، أثقل كاهل المخيم وشكل ضغطا كبيرا على الخدمات العامة وتحديدا شبكة الصرف الصحي وشبكة المياه الصالحة للشرب وجمع النفايات عدا الصحة والتعليم.
و قالت سارة (اسم مستعار) مرشدة اجتماعية بجمعية تهتم بشؤون المرأة والطفولة بمخيم شعفاط، إن سلطات الاحتلال قامت خلال السنوات الأخيرة بافتتاح عيادات صحية داخل المخيم في إطار حملتها لتقليص دخول سكان المخيم إلى مدينة القدس للعلاج تمهيدا لفصلهم نهائيا عنها، مضيفة أن سيارة الإسعاف لا تدخل إلى المخيم إلا في الحالات الخاصة جدا وبحماية الجيش، مما تسبب في موت عدد من المرضى من المخيم لتأخر وصول سيارات الإسعاف.
واستنكرت سارة العنف الذي أخذ يتفشى في مخيم شعفاط ومحيطه منذ أن تمت إحاطته بجدار الفصل العنصري، معتبرة ظاهرة العنف نتيجة طبيعية للقهر الذي يشعر به السكان وخاصة الشباب منهم، فالمساحات الضيقة والافتقار إلى الملاعب والساحات والشوارع الواسعة وشعور الناس دوما أنهم داخل سجن، ضيق نفوسهم وأدى إلى رفع مستوى الاحتقان الكامن في الصدور وهو ما يتضح عند أدنى مشكلة أو احتكاك، دون أن تتحمل شرطة الاحتلال مسؤولياتها المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني تجاه الشعب الخاضع للاحتلال، ودون أن تتمكن حتى السلطة الوطنية الفلسطينية من الوصول إلى المخيم كونه ممنوع عليها وفقا لاتفاقية أوسلو.
وفيما يتعلق بقطاع التعليم، قال عيسى أبو حنة، أستاذ بمدرسة خاصة بالمخيم، إن المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لا تستوعب أكثر من 30 في المائة من الطلاب بينما الباقي يدرس خارج المخيم، كما أن 45 في المائة من هؤلاء الطلبة يضطرون للدراسة في مدارس القدس التابعة لبلدية الاحتلال، لاعتبارات يتعلق بعضها بالحفاظ على الهوية الزرقاء، مما يضطر معه حوالي 2600 طالب للمرور يوميا عبر المعبر المخصص في الجدار الفاصل، موضحا انه مع اكتمال الجدار فإن ضغطا كبيرا يتشكل على المرافق التعليمية للوكالة وغيرها مما ينعكس سلبا على نوعية التعليم المقدم فضلا عن الأبعاد السياسية لتلك الخطوة.
و بالنسبة للحركة التجارية في مخيم شعفاط، فهي جيدة نسبيا مقارنة بباقي المناطق وخاصة منطقة القدس، يقول هيثم أبو كامل وهو تاجر مواد غذائية بشارع عناتا، مضيفا أن المواد الاستهلاكية تباع بداخل المخيم بأثمنة مناسبة تراعي القدرة الشرائية لسكان المخيم، وأوضح أن أعدادا كبيرة من سكان مدينة القدس يأتون إلى المخيم للتسوق والتبضع .
و أشار أبو كامل إلى أن أزقة المخيم تعرف انتشارا واسعا لمحلات البقالة و الخضر على شكل أكشاك في مدخل العديد من المنازل، كما أقيمت محالات تجارية كبيرة على طول الشارع الرئيسي المؤدي إلى بلدة عناتا. واعتبر مخيم شعفاط المكان الأرخص من ناحية إجارات الشقق في القدس، مضيفا أن مساحة المخيم لا تستوعب أكثر من 10 ألف نسمة بسبب ضيق المساحة، الأمر الذي دفع أهالي المخيم إلى نظام البناء العمودي الذي يصل إلى 7 طوابق في بعض الأماكن بنيت فوق أساسات وضعت في الأصل لتحمل مباني من طبقة واحدة أو طبقتين، دون أية رقابة هندسية، وليست جميعها متصلة بنظام الصرف الصحي العام، كما تم تجاهل الأنظمة الفنية وأنظمة السلامة الخاصة بالمباني، و يتنبأ ابو كامل بسقوط المآت من المباني في حال حدوث هزة أرضية بسيطة بسب تسرب المياه العادمة لأساساتها الهشة، وعدم قدرة هذه الأساسات على تحمل الطوابق الزائدة بشكل غير قانوني.
يشار إلى أن مساحة مخيم شعفاط الواقع على بعد حوالي 5 كيلومترات إلى الشرق من مركز مدينة القدس، تصل إلى 203 دونما منها 168 دونما أراضي زراعية، ويخلو من أي أشجار وتسود فيه الكتل الإسمنتية الرمادية.
وهو محاط بالعديد من المستوطنات الإسرائلية، مستوطنة تلة الفرنسية في الجنوب، مستوطنة سبكات زئيبف في الشمال، مستوطنة عناتوت في الشرق، ومستوطنة شفاط في الغرب، كما أن الجدار يحاصر المخيم من ثلاث جهات.
وللتذكير، فإن المخيم أنشئ في الفترة الواقعة ما بين 1965 و 1966، ليكون مأوى للاجئين الفلسطينيين الذين قدموا من 56 قرية ومدينة فلسطينية تم تدميرها من قبل قوات الاحتلال.