استطاع الزميل عتيق بن شيكر، ليلة السهرة الرمضانية من برنامج "مسار"، الذي يعده ويقدمه، (السبت 11 يوليوز 2015)، أن يهز أركان القناة الثانية المغربية فنيا، ويعيد لها أمجادها الفنية والثقافية والإنسانية، من خلال استضافته وتكريمه لهرم الطرب والغناء العربي الفنان الملتزم التونسي لطفي بوشناق، بحضور ثلة من الفنانين والفنانات.. حضور وازن ومتميز بمساره الفني والموسيقي قدم طبقا مغاربيا شهيا من الغناء والطرب الراقي المخضب بتلاوين العشق لكل ما هو جميل.. فلتة فنية بشهادة الكثير من عشاق برنامج "مسار" الذي خط لنفسه طريق ثقافة الاعتراف بأهرام الأغنية والطرب العربي، قصيدة وشذوا وابتهالا، الشيء الذي دفع بالمحتفى به لتكرار قوله "والله ما مال الفؤاد لغيركم"، بعد أداء كشكول روحي ونفحات صوفية أندلسية من طرف الجوق النسائي التطواني بمعية المنشد التهامي الحراق والفنانة زكية يخلف.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ذاكرة الفنان لطفي بوشناق استحضرت، بألق، مشاركته الفنية بمدينة تطوان لأول مرة سنة 1978 مع الشبيبة الموسيقية، دون أن ينسى حضوره المائز في افتتاح مهرجان البوغاز سنة 2014.
هكذا ستتناوب الكلمات والشهادات في حق لطفي بوشناق الفنان الصادق بمشاعره وأحاسيسه الفنية الراقية، ملك الموال العربي الذي عشق الظاهرة الغيوانية منذ بزوغها، مشيدا بكل أفراد المجموعة، ملتمسا المشاركة مع عمر السيد ونعمان لحلو في غناء جزء جميل من أغنية "الله يا مولانا"، تلك التحفة الفنية الصوفية التي تتوسل الخالق وتتضرع له "سبحانك يا إله جود عليا".
ومن أجمل اللحظات الموسيقية والطربية التي اقشعرت لها الأبدان، واشرأبت لها الأعناق، تلك الشهادة النبيلة في حق المحتفى به، حيث أكد الفنان الرائع فؤاد الزبادي أن "لطفي خلق للغناء والطرب والقراءة والشدو"، وقال في حقه "بوشناق من أعظم الأصوات، إذا تكلم أطرب، وإذا غنى أطرب".. وذكر الجمهور بأنه يعشق إحدى الأغنيات المغربية الرائعة "يا بنت لمدينة وعليك كنغني"، مما حول البلاطو إلى فضاء يتقاسم فيه الإبداع المغربي جذور الانتماء إلى كل ما هو مغاربي أصيل بالكلمة الهادفة والراقية النابعة من صفاء ينبوع الأرض والإنسان، حيث أدى كل من الفنانة كريمة الصقلي ولطفي بوشناق رائعة "يا بنت لمدينة " على إيقاع صوت الكبير فؤاد الزبادي.. هذا الأخير الذي أكد على أن لطفي دائم الزيارة للولي الصالح الهادي بن عيسى بمكناس.
ولم يخل زمن "المسار" من الحديث عن العنف والإرهاب، ليقول لطفي بوشناق قولته العميقة "أنا لا أبحث عن موقع، ولكن أبحث عن موقف مشرف"، داعيا إلى السلام والأمن والتعايش ونبذ كل أشكال التطرف بنثره الجميل قائلا "يا أمم الأرض، إن كنتم بشرا فأعطونا أمنا".. ويكشف لأول مرة على أنه داعية للسلام، مكلف من طرف منظمة أممية ضد العنف، رمزها "تكميم المسدسات وتعطيلها"، مقرها بستوكهولم.. واعتمد هرم الغناء العربي أسلوبا شعاريا في حواره وتواصله مع المتلقي ومع كل الحضور، وكان بين الفينة والأخرى ينفجر شعرا ونثرا، ويعزز مواقفه السياسية والنضالية الملتزمة بكلمات تخترق الضمائر كقوله "فينا اللي يقدر يلبس الحقيقة وهي نار مخبيا فينا... أه منك يا مدينة، الناس أسرار في حوايجهم مخبيين" .
وقد استطاع عتيق بن شيكر، بتجربته وحنكته التواصلية، أن ينتزع التزاما فنيا تراثيا مشتركا بين الفنان لطفي بوشناق ومجموعة ناس الغيوان والفنان نعمان لحلو الذي أتحف المتلقي برائعة "وزان" ذات النفحة العيساوية والصوفية، ليسدل الستار على حلقة "مسار" الجميلة (عاكسة رتبة القناة الثانية بمنتوجاتها الرديئة طيلة شهر رمضان) بقطعة فنية شاركت فيها الفنانة كريمة الصقلي رفقة لطفي بوشناق "غني غني يا فنان على طول الأزمان/ خلي غصن الفرحة ينور/ بين عود وكمان/ غني غني يا فنان"...
