الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: على هامش إخلاء ضريح "بويا عمر".. "الكرامة" للجميع

وحيد مبارك: على هامش إخلاء ضريح "بويا عمر".. "الكرامة" للجميع

باشرت وزارة الصحة، قبل أيام، حملة إخلاء ضريح "بويا عمر" من نزلائه المحتجزين الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، والذين أكدت دراسة لوزارة "الوردي"، تم إجراؤها من طرف لجنة تنسيق متعددة القطاعات خلال مدة سنة ونصف، على أن 60 في المائة منهم تتراوح أعمارهم ما بين 30 و49 سنة، مبرزة أن 88 في المائة من المرضى/ النزلاء يعانون من الاضطرابات الذهانية، 99 في المائة منهم مرضى بالفصام، 9.40 في المائة يعانون من الاضطرابات المزاجية، و2.90 في المائة من اضطرابات شخصية، كما وقفت على عدم استفادة 70 في المائة من النزلاء من أي علاج أثناء الإقامة، وبأن 24 في المائة من المرضى لا يحظون بأية زيارة عائلية، و23 في المائة هم في حالة صحية سيئة، فضلا عن كون 19 في المائة تظهر عليهم علامات سوء المعاملة، وبأن الغرفة الواحدة تضم 4 نزلاء في المعدل...

هذا الوضع، تقول وزارة الصحة، على لسان البروفسور الوردي، دفعها لتطلق عملية "الكرامة" بإشراك عدد من المتدخلين، مقررة إخلاء الضريح ومنازل المحتضنين وإلحاق المعنيين بالأمر بمستشفيات المملكة الخاصة بالطب النفسي، وإعداد أجنحة/ أقسام بمستشفيات بتعدد الاختصاصات، وهي الخطوة التي لا يمكن إلا تثمينها ومباركتها ودعمها على مستوى المبدأ، لكن مع ضرورة الحرص على توفير شروط وضمانات إنجاحها، وهو ما كان يجب القيام به قبل الشروع في الخطوة وإعدادها بشكل استباقي، لأن ما يتبين اليوم هو أن الوزارة هي في طريقها لخلق "غيتوهات" بنفس خصائص "بويا عمر" داخل المرافق الصحية التي تعاني الأمرّين والتي تنعدم فيها الكرامة، بل ويعيش نزلاؤها وعلى امتداد سنوات عديدة امتهانا لكرامتهم ووضعية أكثر سوداوية من تلك التي كان يعيشها نزلاء بويا عمر بضريحهم الذي لم يمنحهم "البركة"، إذ يجد اليوم الفاعلون ومعهم المتتبعون للشأن الصحي أنفسهم أمام استنساخ نماذج أخرى وبشكل أفظع لواقع نزلاء الضريح داخل مرافق تحمل يافطات وزارة الصحة، وهو ما يعني ترسيم اللاكرامة ونقلها من "العشوائي" إلى الرسمي!

ونحن نعدّ الصفحة الصحية لهذا الأسبوع للتفاعل مع مبادرة "الكرامة"، التي لا أثر لها ضمن المخطط الذي تم تسطيره بخصوص الصحة النفسية، مما يوضح بأنها جاءت بشكل مرتجل وغير مدروس، كان لزاما الإشارة إلى الاختلالات التي تعتري مسار هذه الخطوة ليس من باب انتقادها نقدا هدّاما أو للدفاع عن استمرار ظاهرة "بويا عمر"، وإنما سعيا بشكل جماعي لتحصين كرامة مرضانا/ مواطنينا، وصلتنا صور آنية عن وضعية بعض هذه المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة التي تعتبر وصمة عار على جبين كل المتدخلين والمعنيين، وهو ما يجعلنا نؤكد على أن الكرامة هي كل لا يتجزأ، وجب توفيرها وتمكين نزلاء المستشفيات النفسية منها خاصة، وكل المرضى والمواطنين عامة، وليس التعامل الظرفي مناسباتيا وبشكل فلكلوري مع بعض المظاهر كما هو الشأن بالنسبة لنزلاء "بويا عمر"، فالأسِرّة مهترئة ومشهدها يبعث على التقزز والاشمئزاز، والغرف بكافة تجهيزاتها متهالكة، والأطر الصحية من أطباء وممرضين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد لأعداد كبيرة من المرضى.. وهنا نسوق على سبيل المثال لا الحصر، ودون الرجوع إلى التشخيصات الرسمية المتعلقة بأعطاب الصحة النفسية في المغرب، أن يوم الثلاثاء 16 يونيو الجاري بلغ عدد النزلاء الذين تم استقدامهم من "بويا عمر" إلى مستشفى "السعادة" بمراكش 96 نزيلا ضمنهم 6 نساء، هذا في الوقت الذي لا يتجاوز عدد الممرضين المعنيين بمبادرة "الكرامة" 11 ممرضا لفائدة 100 مريض، في ضرب تام لتوصيات منظمة الصحة العالميةّ، مقابل خصاص مهول للأدوية، بل وافتقاد لها في أحايين كثيرة، ودون الخوض في تفاصيل وضع صحي عنوانه القتامة بكل من سلا، الرباط التي لا يفصل الطبيب المعالج إلا حوالي 3 أشهر عن التقاعد، ثم برشيد، وكذا الدار البيضاء التي خصص لها 181 نزيلا سيتم توزيعها على 3 مستشفيات بأي شكل من الأشكال. والحال أن الطاقة الاستيعابية لمصالح الطب النفسي بها لا تتجاوز 137 سريرا، وهو ما يعني أن على المواطنين عدم التعرض لانتكاسة نفسية وعقلية لأنهم لن يجدوا مكانا لمستشفيات "الوردي" للعلاج، في وقت صدّر مستشفى تيط مليل حوالي 17 مريضا/ نزيلا قديما صوب دار الخير تيط مليل المجاورة له في محاولة لإفراغ بعض الأسرة للوافدين الجدد، وغيرها من المرافق الصحية، التي لا يمكن لطاقتها الاستيعابية أن تتحمل نزلاء "بويا عمر"، بل وحتى نزلاء آخرين، علما بأن عددا منهم متخلى عنهم ولا علاج لوضعهم وهم محتجزون هناك إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا؟