لا تقدم الجزائر دوما أسبابا عميقة لكي نحبها، ولا تسعفنا كثيرا في تحسين عاطفتنا إزاءها.. إلا عندما نحتمي بالتاريخ أو نولي قلبنا شطر العقيدة.
ومع ذلك، مباشرة بعد أداء فروض الحب للوطن المغرب، نفتح أكف الضراعة ونرفعها طالبين من الله أن يحفظ الجزائر شقيقتنا بالرغم من أنفها.!
الجوار الصعب مع الشقيقة رغم أنفها، يجعلنا نفكر في تدبير أزماتها، بالرغم من أنفنا.. فلا أحد سيقبل أن يعقد القدر أوضاعها أكثر، أو أن تتفكك دولة، حديثة العهد بالتشكل في تاريخها القريب..وتفتح الجغرافيا باب الجحيم في السياسة .
انتظرنا أن تعقب فترة الحرب الأهلية لكي ينضج السياسيون في الجزائر ويعيدون بناء المركب الجماعي في دول المغرب الكبير، ويعيدون تنصيب المصلحة الوطنية، والمصلحة الجماعية على سكة واحدة. لكن الذي حدث هو أنه بعد أن أفلتت البلاد من حكم العمامة في تجربة دموية مرة، لم تسلم من السيف، في الصراع الذي دار بينهما -العمامة والسيف-، فانتصر العسكر في حرب أهلية.. غائرة في الوجدان وفي الجسد الجزائري إلى حدود الآن، وما زال الذين يزورون الجزائر يلمسون الهواء الثقيل للبارود الذي لعلع عشر سنوات طوال، ويشعرون برائحة الدم وخليط الخوف معا، مثل سقف من حديد فوق الرؤوس..
مرت الحرب الأهلية ولم يبق منها سوى.. فساد النظام. وهذا ما نلمسه اليوم من خروج متواتر لمن شاركوا في صناعة القرار الجزائري، ومنهم ميلود حمروش وسيد أحمد غزال، السيد فراشة كما يسميه الإخوة في الجزائر.
كلاهما أطلق النار وصرخ في الجزائر نفسها أن النظام وصل درجة من التعفن.. أصبح الرجل المريض الذي يحكمه من على كرسي هزاز يمثل صورة التفسخ التي يعرفها النظام أكثر مما يلخص حالته الشخصية.
مشكلة النظام إذا أصيب بالمرض أنه لا يمكن نقله على عجلات إلى مصحة أو إلى.. مستشفى، عادة ما يتم نقله إلى المزبلة، بالقرب من التاريخ أو في ضاحية العالم!
لكن المشكلة في الجزائر أن مرض الرئيس حجاب، لإخفاء مرض النظام في الخطاب الرسمي، على حد قول سيد أحمد غزالي، الذي تقول لنا الصحافة إنه وصل إلى قناعة مفادها «أن الرئيس يُستخلف طبيعيا إن كان مريضا، بينما المشكلة هي عندما يكون النظام مريضا، وهي حالة النظام الجزائري»، ويعتقد أن «كثرة الحديث عن مرض الرجل (بوتفليقة) يتم لإخفاء حقيقة مرض النظام. وإذا حدث إجماع على أن هذا النظام سيئ، ينبغي إذن أن نعمل على تغييره جذريا». فهل سيتم ذلك سلميا، هذا السؤال الذي لم تفلح الجزائر في تقديم ضمانات على حدوثه، لأنها لم تنفق المليارات التي جمعتها من النفط في تدبير انتقالاتها العديدة التي تنتظرها، انتقالات اقتصادية وسياسية وديمقراطية وديموغرافية.. الخ.
الوزير الأول السابق يدق باب الجحيم، وهو ينبه إلى أن الانتقال لن يحدث سلميا، وأن ما ينتظر الجزائر أعنف بكثير من أحداث أكتوبر 1988 التي أجبرت الشادلي بنجديد على الانفتاح.. وفتحت الحقل السياسي قبل إغلاقه نهائيا بالدم والحديد.
وبالرغم من الثراء الفاحش لدولة تعيش على النفط والغاز، فإنها دولة تمد يدها من أجل لقمة.. قمح على حد قول غزالي، الذي لم يتهمه النظام بأنه متواطئ معنا في الدهشة من بلاد ينخرها الجوع، عندما صرح كاشفا واقعة خطيرة إذ قال "وضعوني في أسوأ اختبار في حياتي عندما كنت سفيرا للجزائر في بروكسل، واضطررت لأمد يدي إلى الأوروبيين حتى يساعدوننا على شراء القمح" …
إذا كان حالها وهي غنية بالنفط..، كيف ستكون إذا غدت عليلة؟
كيف مع تراجع الريع ومداخيل النفط؟
في تحليل ليومية "ليبراسيون" الفرنسية، جواب على هذا التساؤل، عندما تحدث كاتبها في مقالة في عدد يوم أمس الاثنين والتي ستوزع اليوم الثلاثاء، عن قاعدة النظام التي تتمثل في مركب عسكري-وطني منغلق يستند إلى ممارسات متجذرة في الأجنحة والقسوة والزبونية، نظام اعتبرته قمعيا ومنخورا، لم يستطع أن يقدم عرضا للطلب الديمقراطي المتصاعد في البلاد.. ولا في تقوية النسيج المجتمعي، الذي يتآكل.
والنتيجة أن الجزائر في كف عفريت اليوم، وتفكك الدولة فيها وانفتاحها على الصراع ستكون له عواقب أفدح من الانعكاسات التي وقعت مع تفكك الدولة الليبية.
ولن تسلم أية دولة في المنطقة من الشهب التي تتطاير ولا من تنويعات الإرهاب الذي سيجد السلاح والأطر.. بالقدر الذي يتجاوز ما هو موجود حاليا.. فالجزائر قوية مشكلة وضعيفة مشكلة أكبر!
ومع ذلك اللهم احفظها بالرغم من أنفها..!