ربما قد يتحجج الذين ضبطوا في حالة غش أثناء اجتياز مادة الرياضيات كونهم لم يجدوا بالمادة أثناء دراستها ولو إشارة تفيدهم بخطورة الاعتماد على أي وسيلة مشبوهة للإجابة على أسئلة الامتحانات، والأمر نفسه قد ينطبق على الممتحنين في مواد الفيزياء والكيمياء وعلوم الأرض والحياة... لكن ما القول بشأن طلبة شعبة "التعليم الأصيل"، أي شعبة فقهاؤنا ومرشدونا بل ومرشدي أبنائنا من بعد عمرنا الطويل إنشاء الله. إذ والقول للمنطق، أن يكون هؤلاء في غنى عن أي تحذير من ذاك القبيل، على اعتبار أنهم أول من يجب الاقتناع به قبل المغامرة بارتكابه. وكيف لا ومن البديهي أن يكون التحلي بالمصداقية والمسؤولية أولى أولويات خصال "فقها المغرب"، تيمنا على الأقل بتاريخ السلف.
مناسبة التذكير بهذه المقدمة ليس إلا دفعا من واقعة تزنيت، يوم أمس الخميس، والتي تورط فيها بالتحايل تلاميذ يدرسون تفسير القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم التي تقول إحداها "من غشنا فليس منا"، إنما أين نحن من هذه التعاليم وهي التي انتهكت ممن اختاروا طواعية الإبحار والتعمق في دراستها، ونصبوا أنفسهم مشاريع رجال يحتذى بهم في نبل التصرفات وسمو الأخلاق؟. وبالتالي، أيمكننا الحسم الآن بأننا ذهبنا حيثما ذهبت أخلاقنا، وفقدنا البوصلة التي طالما تمسكنا بتوجهها افتخارا أمام العالم كأصل المبادئ وحسن الآداب.
وللإشارة، فتلامذتنا "الفقها" هداهم الله وأصلح بالهم، تجرؤوا على إدخال هواتف نقالة متطورة، إلى صالات الاختبار، لم تكن حليفة معاصري عهد أبي بكر وعمر وعلي وعثمان من متقي الامة، لتحوم الشكوك اليوم حول تلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يحملونها في "بورطابلاتهم" تباهيا أمام الناس، أي هي حبا في الدين ورغبة جامحة للاهتداء بتعاليمه، أم مجرد تدريب استباقي لكيفية توظيفها حيث يعز المرء أم يهان؟.
صحيح أن التعريج في البداية على تلاميذ الرياضيات والشعب العلمية عموما لا يعني بالمطلق التلميح إلى التساهل معهم إذا ما ثبت ذنبهم، إنما تنبيها بالمقابل إلى وجوب إعمال ظروف تشديد مع دارسي "الشريعة الإسلامية" قياسا بزملائهم ، فأن يرتكب رجل قانون جريمة أو جنحة يجازى عليها بنص ليس كمن يرتكبها وهو متخصص في علوم "التوالد عند الإنسان". ومن ثمة فعقوبة الأول تزيد درجتها عن عقوبة الثاني برغم تشابه جرمهما.
فهنيئا لنا إذن بالمفهوم الجديد لتعاليم الدين، وكيف تغتصب على بعد أسبوع من الشهر الفضيل ومن حراسه. وأكثر من تهنئة على فقهائنا الذين نرجو بركتهم فصدمونا بدخول "الجامع ببلغتهم".