الأحد 22 سبتمبر 2024
سياسة

قضاة: هل يريد محامي العدالة والتنمية تكميم أفواهنا؟

قضاة: هل يريد محامي العدالة والتنمية تكميم أفواهنا؟

ما زال الموقف الذي عبر عنه الأستاذ عبد الصمد الإدريسي، المحامي والبرلماني باسم حزب العدالة والتنمية، بخصوص حديثه "عن لوبي قضائي، يسعى للضغط من أجل تمرير بعض مقترحاتهم لتعديل مشروعي القانونين التنظيميين، المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمتعلق بالنظام الأساسي للقضاة"، يثير عدد من قضاة الائتلاف، حيث أوضح الإدريسي، أن الأمر يتعلق بجسمين، سياسي وقضائي، بهما فساد كبير، بعض المنتسبين إليهما لا يفكرون في العطاء إلا بالقدر الذي يفكرون فيه بالمقابل، في تعليقه على سلسلة اللقاءات التي عقدها ائتلاف القضاة مع بعض الفرق البرلمانية"...

"أنفاس بريس"، اتصلت بالأساتذة القضاة: محمد الخضراوي، عن الودادية الحسنية للقضاة، وسمير أيت ارجدال ومصطفى أيت عيسى، عن نادي قضاة المغرب، فجاء ردهم على الشكل التالي:

- محمد الخضراوي، نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة

أولا: من يتبنى مثل هذا الطرح يتناسى نصوصا دستورية محورية منها المادة الأولى التي تنص على فصل وتوازن وتعاون السلط، فكيف يمكن تصور هذا التعاون دون حوار وتبادل الرؤى، هل نريدها سلطا تعيش في جزر متباعدة؟ أم مؤسسات تعمل من أجل الوطن والمواطن؟

ثانيا: المقاربة التشاركية أصبحت مرتكزا مرجعيا للمملكة وخيارا دستوريا إلزاميا وليس منحة من أحد، ولم يعد أحد يشتغل بمنأى عن باقي الفاعلين.

ثالثا: السلطة القضائية أصبحت بمقتضى الدستور تملك صلاحية إبداء الرأي وتقديم تقارير سنوية لعدد من الجهات ومنها المؤسسة التشريعية حول كل ما يتعلق بالعدالة ولا يمكن القول أنها بذلك تتدخل في باقي السلط أو تتنازل عن بعض سلطها.

رابعا: فعاليات المجتمع المدني، بل والأفراد أيضا، خولهم الدستور ليس فقط إبداء الرأي وتقديم العرائض والملتمسات، بل وتقديم مقترحات لتعديل التشريع.

والجمعيات المهنية القضائية المغربية كمثيلاتها عبر العالم، وفي إطار قوانينها التأسيسية، تقدمت بمقترحاتها للمؤسسة التشريعية بكافة أطيافها دون تمييز، وشرحت بكل موضوعية مواقفها لممثلي الأمة الذين يقفون أمام مسؤولية تاريخية وهم سيشرعون في موضوع يهم الجميع وسيرهن مستقبل العدالة ببلادنا لسنوات طويلة ويجب أن يكون في مستوى الانتظارات.

خامسا: لماذا لم يقل أحد إننا أثرنا في استقلال السلطة التنفيذية عندما تقدمنا بهذه المطالب؟ ولماذا تتم استشارة القضاة الآن بخصوص مسودات عدد من القوانين؟

أعتقد جازما أن الجميع يجب أن يستوعب متطلبات المرحلة وأن يتشبع بنص الدستور وروحه وأن يكون في مستوى المسؤولية.. وليطمئن الجميع فنحن في الودادية، لن نفرط أبدا في أداء رسالتنا وواجبنا تجاه الوطن، ولن نتهاون في الدفاع بكل مهنية وفي دائرة القيم القضائية عن وجود نصوص تنظيمية وقوانين عادية تكرس السلطة القضائية المستقلة التي أسست لها الخطب الملكية السامية وفق المعايير الدولية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.ولن نلتفت إلى أي موقف -كيفما كان مصدره- يتجاوز كل هذه المرجعيات، ولم يستوعب بعد المهام الحقيقية التي يجب إن تؤديها الجمعيات القضائية داخل دولة المؤسسات.

- سمير أيت ارجدال، عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب

أعتقد أن الحديث عن لوبي القضاة بمناسبة فتح النقاش بين البرلمان والجمعيات المهنية للقضاة بشأن مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالقضاة وبالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يحمل في ذاته تحاملا غير مبرر من منطلق أن هذا الحوار يجد ضالته في الوثيقة الدستورية التي تؤكد على حق القضاة في تأسيس جمعيات مهنية طبقا لمقتضيات المادة 111 من الدستور وعلى دورها التشاركي في إعداد السياسات العمومية وفقا لمبدأ المقاربة التشاركية المنصوص عليه في المادة 12 من الدستور. وبالتالي، فإن كل محاولة للتضييق على الجمعيات المهنية لولوج المؤسسة البرلمانية للدفاع عن مقترحاتها ومطالبها ستبقى محاولة يائسة ما دامت أنها خارج السياقات الدستورية الجديدة. أما بخصوص معادلة المطالب والعطاءات المتبادلة بين الطرفين فهي معادلة خاطئة من منطلق أن حضور القضاة بقبة البرلمان ليس على أساس الصفة الوظيفية وإنما على أساس الصفة الجمعوية المهنية.. وعليه فلا مجال للتخوف من التأثير على استقلالية القضاة وحيادهم.. بل إن تجريد الجمعيات المهنية -كآلية من آليات الضغط- من التواصل مع المؤسسة التشريعية هو الذي قد يكون سببا في إفراغ مبدأ استقلال السلطة القضائية من مضمونه الدستوري. وبالتالي نقول بأن كل مطالبة باستفراد السلطة التشريعية بممارسة اختصاصاتها ذات الصِّلة بسن القوانين بمعزل عن الفعاليات الحقوقية والجمعيات المهنية تبقى مطالبة غير دستورية في منطلقاتها وغير واضحة في مدلولها وغير صريحة في مبتغاها.

- مصطفى آيت عيسى، نادي قضاة المغرب

لا بد من التوضيح أن الهدف من تحرك الجمعيات المهنية في اتجاه المؤسسة التشريعية، هو التواصل مع ممثلي الشعب من أجل بسط تصورات رجال السلطة القضائية فيما يخص مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان التي تهم السلطة القضائية، خاصة القانون التنظيمي المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء وقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، في احترام تام لاختصاصات السلطة التشريعية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة تندرج ضمن الحق في حرية التعبير المكفول دستوريا لجميع المواطنين وكذا انسجاما مع الدور الحيوي الذي أناطه الدستور الجديد بفعاليات المجتمع المدني. لذا لا ينبغي بأي حال من الأحوال اعتباره تكتلا مهنيا يهدف إلى خلق لوبي قضائي الغرض منه حماية مصالح فئوية أو تدخل في شؤون سلطة أخرى أو انتهاك لمبدأ فصل السلط. وإنما ينبغي اعتباره مبادرة خلاقة وإيجابية هدفها خلق جسور التعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والقضائية في سبيل إنتاج قوانين جيدة تعود بالنفع على الوطن والمواطن، على اعتبار أن رجال القضاء هم خبراء قانونيون وممارسون مهنيون، وهم الأقدر على إبراز مكامن الخلل في مشاريع القوانين وطرح البديل.

هذا وإذ نثمن التفاعل الايجابي للسادة البرلمانيين مع هذه المبادرة وما تركته من أثر إيجابي لديهم، فإننا نستغرب للأصوات النشاز التي تسعى إلى نسف كل مبادرة خلاقة تهدف إلى تعزيز استقلال القضاء وضمان حق المواطن في قضاء مستقل فعال ونزيه.