شدد الحبيب بلكوش، رئيس مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان، على أن الحركة الحقوقية المغربية في حاجة إلى كتابة تاريخها وتوثيق ذاكرتها، بمعنى الوقوف على ما تم تحقيقه، وما لم يتم التفوق فيه. مشيرا في تصريح خص به "أنفاس بريس"، إلى أن الحركة فعلا استطاعت بلوغ مكتسبات في مستويات متعددة. منها تلك المرتبطة بهوية الحركة، حيث لم يعد الأمر متعلقا فقط بالمنظمات التي كانت مُؤسسة في زمان سنوات الرصاص، حينما كان مطلب الأحزاب السياسية لمواجهة جرائم الاعتقال والاختفاء القسري في قائمة جدول أعمال أجندة الحركة الحقوقية بالأساس، وبالتالي التصدي لممارسات القمع السائد وقتها.
إلا أنه وفي ظل اتساع فضاء الحريات، ولو نسبيا، يردف بلكوش، سمح بأن لم تعد حقوق الإنسان منحصرة في المنظمات ذات الطابع العام، أي "الجمعية المغربية.. المنظمة المغربية.. العصبة المغربية"، وإنما أصبحت بالمئات إن لم يكن أكثر، فاتسعت لشمل منظمات ذات طابع تخصصي إن في المجال النسائي أو الثقافي أو التنموي، وبالتالي وجب أن ينعكس ذلك على رؤية الحركة وتمطيط التفكير في هذا الاتجاه.
والجانب الآخر الذي يلزم الانتباه إليه، يضيف بلكوش، أن الحركة تمكنت من أن تجعل من قضايا حقوق الإنسان جزءا من جدول أعمال مختلف الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وذلك بفضل التحولات العالمية كانهيار المعسكر الشرقي لما كانت حقوق الإنسان في صراعات سياسية، فضارت القضية موضوع سؤال راهني، ووجدت ترجمتها في مبادرات سياسات الدولة من خلال معالجة ملفات الانتهاكات الجسيمة.
ويعتقد محاورنا أن جميع هذه المعطيات تفرض طرح السؤال حول علاقة الحقوقي بالسياسي، لذلك، فإن اللحظة التي استطاعت فيها الحركة أن تجعل من مطالبها ورؤيتها قضايا على جدول أعمال الفاعل السياسي والدولتي، تمكنت بالتالي من التأثير إلى حد ما في السياسات العمومية، وبلورة إجراءات ربما من المكتسبات الكبرى في هذا المجال.
ويخشى بلكوش، كما عبر عن ذلك، من التوظيف السياسي لحركة حقوق الإنسان، سواء من طرف الدولة أو الفاعلين السياسيين. أما موضوع الاستقلالية، فأكد على أنه يتطلب قراءة خاصة في ضوء ما تم الوصول إليه من تطورات لكي "نؤصل لهذه الاستقلالية بناء على رؤية متكاملة وعلاقتنا بمختلف الفرقاء من مؤسسات الدولة، والفاعلين السياسيين، والمؤسسة التشريعية، وما إلى ذلك..".
ويقول بلكوش، بأن هناك أسئلة لم يعد كافيا تسجيل موقف مبدئي بشأنها، وإنما تستدعي بلورة إستراتيجية حتى يستوعب كل الفاعلين أدوارهم في هذا المشروع، وتكون تلك الفعالية والنجاعة لجعل قضايا حقوق الإنسان حاضرة باستمرار على جدول أعمال مختلف المتدخلين.
ولم يفت رئيس مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان، في تصريحه، أن يعرج على هاجس الإرهاب ومواجهته الذي يشكل مدخلا لانتهاكات جديدة لحقوق الإنسان، إذ نبه إلى عدم كفاية القيام بدور اليقظة رغم أهميته، وإنما يجب التوغل إلى الجوهر بالنظر إلى خطورة الموضوع على حقوق الإنسان داخل المجتمع، خاصة ونحن نرى تلك الامتدادات المقلقة سواء بأشكالها الخفيفة على المستوى الوطني، أو في صورها الأكثر عنفا وقتلا في تجارب الدول المجاورة.
وبعد هذا المسار الطويل الذي تمت مراكمته، يخلص بلكوش، يطرح تحد من نوع ثان، وهو المتصل بمدى القدرة على تأصل وتملك ثقافة حقوق الإنسان لغاية عكسها على الأداء المجتمعي، الأمر الذي يجعل الجميع في مرحلة جديدة وفي حاجة إلى عقد الكثير من اللقاءات الرامية إلى تعميق الرؤى الهادفة بدورها إلى بلوغ التحول المطلوب، والذي لا يمكن الجواب عليه برؤية سلفية، بل بميثاق وطني.