الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد انفلوس: رسالة إلى محمد الوحداني

محمد انفلوس: رسالة إلى محمد الوحداني

أخي وصديقي محمد الوحداني،

أكتب اليك بعد أن منعتنا دولة الحق والقانون من زيارتك..كان جوابهم ﻻيسمح بالزيارة إﻻ لمن يحمل اسم الوحداني..كنا نتمنى أن نعانقك لدقيقتين ونتقاسم معك ولو ربع ساعة من هذا الزمن الرديء..فقد صار الحزن يضيف بعدا ثالثا على كل ما نعيشه اليوم.

كنا نتمنى ان نحدثك عن سيدي افني، عن حدائقها التي تموت في صمت و عصافيرها التي تهاجر في صمت..عن شوارعها التي مزقت وﻻزالت مفتوحة الشرايين تنزف حفرا ومطبات..كنا سنحدثك عن نوارسها التي تغادر الميناء المعطوب كل صباح لتبحث في حاويات القمامة عن قطعة خبز يابس او بقايا سمكة مستوردة او حتى نصف ضفدعة هزيلة في ما تبقى من برك الفيضانات..كنا سنحدثك عن بحيرة الواد الحار التي تكبر بجانب شهدائنا وموتانا فيكبر معها احساسنا بالاهانة وقلة ذات اليد..

كنا سنحدثك عن ذكريات 22 ماي ولادة الانسان الافناوي الجديد وكيف مضت عشر سنوات عن الحلم والأمل والحنين،أعرف ان لصداقتنا عمقا موغلا كوننا ننتمي لنفس المعاناة ولذات الأمل ..

عشر سنوات مرت يا صديقي ولم يحتفل احد بالذكرى فيما احتفل الكل بعشر سنوات من اطﻻق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية..

صديقي محمد،

يسألني عنك هذه الايام قدح الشاي وسلهامك الداكن ورنين الموبايل وابيات الشعر التي نسكنها حينما يجف الكلام، تسألني عنك البارندية وورودها التي اتلفتها الحكرة والتهميش وعدم اﻻنضباط لمواعيد السقي، تسألني عنك حدائق النصر واسبانيا وحليمة السعدية التي لم يعد احد يرضع أشجارها..

تسألني عنك ردهات البلدية التي اقفلتها يوما في اضراب عام سجله التاريخ في احد سطور كتابه الضخم.يسألني عنك الكاسينو بلغته اﻻسبانية التي ﻻزال يصر على اﻻحتفاظ ببعض مفرداتها امعانا في العناد النبيل ..تسألني ميكروفوناته التي لم تعد تصدح بأرقى انواع الكلام اغلبية ومعارضة، ولم تعد تعرف ما يقال ،خصوصا الميكروفون الذي اعلنت عبره التصويت ضد الميزانية في سابقة اولى من تاريخ ميزانيات العالم..  يسألني عنك البروتكال الذي لبسته مرة واحدة وتركته عرضة للنسيان.. يسألني عنك جبل بولعلام ﻻنك لم تزره مند وقت طويل.. يسألني ﻻبياسون والدار الأولى والثانية وبقايا التليفيريك والفرسان بمدخل المدينة اللذان ملا الانتظار وحتى المساجد التي لم تكن تدخلها الا لماما تدعو مع كل مظلوم يفتقد الى العدل وتسند ظهر كل فقير يطلب الإحسان..

تسألني عنك ساعة البلدية التي توقفت عقاربها يوم ان لدغتك عقارب المخزن وحتى النطيفية التي أمضيت حولها جزءا من طفولتك لازالت تتذكر براءة البسمة وبراريد الشاي..

صديقي
اسأل الله ان يبارك لك في شعبان وان يبلغك رمضان فقد كنت تهاتفني كل عيد بصوتك الواثق” اخوك في الله محمد الوحداني رئيس المجلس البلدي” ونضحك حتى تعلن البطاريات الغبية لهواتفنا الذكية عن نفاذ شحنتها….

هل تتذكر حينما كتبت ذات يوم “نزولا عند رغبة الساكنة قرر المجلس البلدي“ ثم شطبت على كلمة نزولا وكتبت “صعودا عند رغبة الساكنة “واجبتني رغبة الساكنة نصعد اليها ولا تنزل عندنا حينها ادركت ان اللغة منحتك شيئا من بركاتها وغنجها..

اخي سي محمد،

بغض النظر عن اختلافي معك في الكثير من الامور وبغض النظر عن” بسالتك” التي سارت بذكرها الركبان وبالرغم من مواقفك التي أظن، وليس كل الظن إثم، أن يتجرأ رئيس مجلس بلدي على الإقدام على ثلثها في المستقبل، وبالرغم من كل الكلام الذي قيل عنك وسيقال فقد شغلت الناس ودخلت أحب من أحب وكره من كره، إلى تاريخ هذه المدينة من بابه الواسع وحتى من نوافذه الضيقة.

كثيرا ما أعيد شريط ما حدث كنوع من إثبات الحضور في الأيام التي يندر العثور فيها على وجهة نظر مكتملة تستحق الطرح، و مع إطلالة أكثر عمقا على السنوات الماضية، اجدها شاهدة على أشياء كثيرة كدنا أن ننساها لطرافتها أو لغباوتها، اتمنى ان نعيد قراءتها على سبيل تنشيط الذاكرة وتدليك غدة الحنين لأيام عشناها بغض النظر عن تقييمنا لها..

النظر إلى الخلف في هذه الذكرى بالذات،22 ماي، حين خرج الناس مثنى وثلاث ورباع، سيجعلنا نمسك بوضوح بالأشياء المشتركة بيننا كسكان لهذه الأرض الطيبة، سيسهل أن نتوحد بقوة ولو أمام ذكرى شعار بائد رددناه بقوة وعيوننا يتسلل اليها الدمع، النظر إلى الخلف سيذكرنا ببعضنا البعض
وحتى رفاق الامس ربما إذا تذكروا ما يجمعهم في أيام طفولتهم السياسية، ستقترب بينهم المسافات، حتى لو لم يعثروا فيها على لحظات مشتركة (وهذا أمر صعب لأن الحكرة وحدتنا جميعا ذات سبت اسود.

ان ما نعيشه الان سوف ينتهي في لحظة ما ولن يتبقى منه سوى لحظة كراهية متبادلة. سينتهى لأن قوانين الطبيعة تقول إن كل كتلة تحمل بداخلها عوامل فنائها، ولأننا بالرغم من كل ما فينا من عيوب، لن نسمح لأنفسنا ان نتشفى او ننكر صداقة جمعتنا ذات يوم اليوم بعد عشر سنوات وانا اكتب لك هذه الرسالة ايقنت ان السكرتارية المحلية تشتت دمها بين القبائل ولكني اشد يقينا بان الاتي احلى واغلى واروع..

اخي وصديقي محمد،

من فضل الله تعالى عليك أن القوم ما سجنوك لأنك التهمت ميزانيات المال العام و تقارير اللجان الاربع شاهد على العصر.. من فضل الله عليك انك كنت سجين الكلمة.. والله اقسم بحرف وقلم سطر من الكلمات فقال: "والقلم وما يسطرون”..

فعليك ان تحمد الله سبحانه وتعالى فهو الذي يكرم من أحب من عباده بالابتلاء ويرفع قدرهم على الكبار والدهماء..

اذكرك اخي بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)

اخوك في الله محمد انفلوس