السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

لماذا تقدمت الإمارات العربية وتخلف المغرب؟

لماذا تقدمت الإمارات العربية وتخلف المغرب؟

في زيارة لي لمدينتي دبي وأبو ظبي التقيت رجل أعمال بمكتبه وسألته: «ما هو سر تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة بهذه السرعة المذهلة. فالموارد النفطية لا توجد فقط في بلدكم، فها هي الجزائر ونيجيريا وفنيزويلا وليبيا أغنى منكم ومع ذلك لم تنعكس الفورة النفطية على هذه الدول؟». فكان جوابه صاعقا: "السر يا أخي يكمن في أن رجل الأعمال بالإمارات العربية لما ينهض من نومه لا يلتقي مع الحكومة الإماراتية، لأن الحكومة تثق في قدراته وتحترم شغفه لركوب المخاطر وتتركه يشتغل بحرية تامة في إطار الضوابط القانونية العامة المرسومة".

آنذاك فهمت لماذا تعرف الإمارات العربية أعلى نسبة نمو بالعالم، وفهمت لماذا لم تتوقف الدينامية العمرانية والاقتصادية بهذه الدولة منذ أن وضع المرحوم الشيخ زايد دفتر تحملات الإمارات العربية. وبالمقابل فهمت لماذا تحول رجال الأعمال المغاربة والأجانب إلى رهائن بالمغرب، بالنظر إلى أن المستثمر ببلادنا ما أن ينهض من نومه وهو يعيش في الإرهاب المسلط عليه من الحكومة والمراكز الجهوية للاستثمار والولايات والعمالات والبلديات والوكالات الحضرية وإدارات الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي، بشكل تحول معه المستثمرون المغاربة إلى "معتقلين في سراح مؤقت"!!

ثاني سبب يفسر الوثبة التنموية بالإمارات العربية المتحدة يتجلى في تخلص الإماراتيين من عقدتين: الأولى عقدة الاستعانة بالخبراء من أي بلد. إذ أن شعار الإماراتيين هو الحرص على استقدام الخبير الذي يناسب العمل المراد إنجازه دون الاهتمام بجنسيته أو عرقه أو لونه، عكس الحال عندنا بالمغرب حيث شعار المسؤولين هو «باك صاحبي» ولو كان المعني بالأمر جاهلا أو "شفار" أو «خرماز». وهذا ما يفسر لماذا أن كل ما ينجز في دبي أو أبو ظبي أو الشارقة وغيرها يكون ذا جودة عالية: سواء تعلق الأمر بكورنيش أو قنطرة أو نفق أو ناطحة سحاب أو محطة كهربائية أو شارع أو حديقة أو خدمات بلدية، أمنية، فندقية، طبية، مالية، تجارية....إلخ. أما العقدة الثانية التي ردمها الإماراتيون فتكمن في أنهم لا يترددون في البدء من حيث انتهى الآخرون، أي بالحرص على متابعة ما أبدعه العقل الكوني من نظريات وممارسات في التدبير الناجح وفي طرائق العمل والحكامة.

السبب الثالث لنهضة الإمارات العربية المتحدة هو أن مسؤولي هذه الدولة يقدسون الشفافية في المساطر والصفقات العمومية. فكل شيء يعلن عنه في الأنترنيت، بل وتم ابتكار تطبيق (application) تحت اسم  uae.gov appsيكفي المرء أن ينقر في هاتفه النقال من أي نقطة في الكون حتى يكون على بينة من كل الصفقات العمومية المطروحة للتنافس وبالتفاصيل التقنية كلها، وهي الصفقات التي يشارك فيها الإماراتي والأوروبي والأمريكي والأسيوي والعربي والتركي دون إقصاء أو إخفاء للمعلومات عن هذا أو ذاك، وليس مثل المغرب الذي ينجز ملفات الصفقات في سرية وبالفرنسية فقط ويتم التستر على بعض الخصائص التقنية  للصفقة إلى آخر دقيقة من أجل تسليم الأظرفة كي يتم إقصاء من لا "يفهم راسو"!!

وبتعبير الفنان الكبير عبد الهادي بلخياط، فصدمتي «كانت قوية» وأنا أتجول في شوارع دبي وأبو ظبي بحثا عن مشروع عملاق أنجزته شركة فرنسية أو كانت وراءه استشارة مكاتب هندسية فرنسية (ناطحة سحاب، محطة للتصفية، ميترو، سكك حديدية، ميناء، حوض حوت، إلخ...). فكل المشاريع الكبرى المهيكلة في الإمارات بنتها شركات أمريكية أو كورية أو بريطانية أو صينية أو هندية أو عربية أو ألمانية، ولم أعثر على حضور فرنسي بدبي أو أبو ظبي: خذوا مثلا قصر الإمارات (التحفة السياحية الرائعة بأبو ظبي) أو المحطات النووية أو محطات تحلية مياه البحر أو برج خليفة أو ميناء خليفة أو مطار أبو ظبي أو المسجد  الجميل (مسجد الشيخ زايد) أو مطار دبي أو النفق الهائل (4 كيلوميتر) بكورنيش أبو ظبي أو الأبراج المتناثرة هنا وهناك، أو البرامج الخاصة بالإدارة الإلكترونية...، فلن تعثروا فيها على أي بصمة فرنسية سواء من حيث الإنشاء أومن حيث مكاتب الدراسات أو من حيث التكنولوجيا المستعملة.

هنا فهمت أن المغرب لن تقوم له قائمة إلا إذا تحرر من فرنسا ومن عملائها بالإدارة المغربية، إذ لو كانت فرنسا قوية لكانت ناجحة وحاضرة في بيئة منافسة (الخليج) وليس في بيئة مغلوقة و«مسدودة» على المنافسة الشريفة وعلى الشفافية وعلى الجودة وعلى الأسعار المعقولة (المغرب). وإلا فسروا لي لماذا كلفة إنجاز كيلوميتر واحد من الميترو بالإمارات أقل  كلفة من كلفة الترامواي بالمغرب؟ ولماذا كلفة الدراسات بالمغرب تفوق بكثير كلفتها بالإمارات؟ ولماذا كلفة السكك الحديدية ببلادنا أعلى من كلفة سكك أبو ظبي؟ ولماذا سعر التكنولوجيا الفرنسية التي تباع للمغرب أعلى ثمنا وأقل جودة من التكنولوجيا الكورية والأمريكية والبريطانية والهندية والألمانية التي تباع للإمارات العربية؟!

فالإمارات تنتج يوميا مليوني برميل من النفط، مع ما يترتب عن ذلك من وفرة مالية ضخمة، بينما المغرب ينتج يوميا 2 مليون من «الفجل» و"القزبر" و«السكفكف»، مع ما يحيل له ذلك من شح في الموارد، ومع ذلك تحرص الإمارات على الحصول على أجود المشاريع بأقل الأثمان وبأرفع التكنولوجيات، بينما المسؤولون في المغرب يبيعون خيرات المغاربة وأواشهم ومشاريعهم لـ «ماما فرنسا» بأعلى الأثمان وبأضعف التقنيات.

 يظهر أن المغرب كي يتقدم لا ينبغي فقط عدم رؤية الحكومة من طرف المستثمرين والمواطنين لما ينهضوا من النوم، بل وينبغي أيضا ضمان ألا يرى المغاربة كل يوم فرنسا وعملاءها بالمغرب كذلك!!