السبت 21 سبتمبر 2024
سياسة

هل تحرم "ولاءات" بنكيران "الإخوانية" المغرب من 600 ألف منصب شغل بالخليج؟!

هل تحرم "ولاءات" بنكيران "الإخوانية" المغرب من 600 ألف منصب شغل بالخليج؟!

كل مغربي مهاجر بالخليج يحول سنويا إلى المغرب ما مجموعه 112 ألف درهم من العملة الصعبة، في حين لا يحول المغاربة المهاجرون بباقي دول العالم سوى 10 ألاف درهم كل سنة لكل مهاجر. بمعنى أنه في كل يوم يضخ المغربي المهاجر بالخليج في الخزينة العامة 306 دراهم من العملة الصعبة في الوقت الذي يضخ المهاجر المغربي من باقي دول العالم 27 درهما كل يوم (فارق 12 مرة بينهما). فرغم أن عددهم لا يمثل سوى 1,7 في المائة من مجموع المغاربة المهاجرين بالعالم، إلا أن تحويلات مغاربة الخليج تشكل لوحدها 15 في المائة من مجموع تحويلات العملة الصعبة. فدول الخليج مجتمعة (ست دول) لا يوجد بها سوى 89703 مهاجر مغربي، فيما ينتشر 4 ملايين و910 ألف مهاجر مغربي في باقي دول المعمور.

هذه الأرقام تظهر إلى أي حد تخلف الدولة المغربية في تبني خطة هجومية واضحة لانتهاز الفرص المتاحة مع دول الخليج لتحقيق ثلاث غايات:

- أولا: تخفيف العبء الاجتماعي الداخلي بالمغرب عبر تصريف فائض العمالة بالمغرب بدول الخليج خاصة وأن هناك فرصا حقيقة للتشغيل.

- ثانيا: جلب الاستثمارات الخليجية المهمة نحو المغرب لصب الزيت في محرك الاقتصاد المحلي المتهالك.

- ثالثا: التفاوض مع دول الخليج لإلغاء ديونها المستحقة على بلادنا أو على الأقل تحويلها إلى استثمارات لتخفيف الضغط على مالية المغرب.

هل هذا حلم يصعب تحقيقه؟ أبدا. هل هو ترف فكري لا تسنده معطيات ملموسة على الأرض؟ إطلاقا.

إليكم الدليل.

- قطر مقبلة على تنظيم كأس العالم 2022 مع ما سيتبع ذلك من مشاريع ضخمة وتطوير كامل للبنى التحتية التي تتطلب برمجة  25 مليار دولار.

- دبي تستعد لتنظيم «إكسبو 2020» الذي يرتبط هو الآخر بطرح الملايير في السوق المحلي كاستثمارات لتجديد البنيات التحتية وتوفير المرافق الضرورية المناسبة للحدث المذكور "43 مليار دولار".

- أبو ظبي اعتمدت الخطة الإنمائية «رؤية 2030» التي تمثل وثبة كبرى في هذه الإمارة الغنية بالنفط والمال وهي الخطة التي برمجت لها 160 مليار دولار.

- السعودية، الجاهل هو من ينكر وزنها الروحي بالعالم الإسلامي ويستخفف بوفرتها النفطية والمالية، لدرجة أن المشاريع الكبرى المخطط لها بالسعودية خلال السنوات الخمس القادمة تصل أغلفتها المالية إلى 1.080 مليار دولار.

- أما الكويت، فرغم أن مساحتها لا تتجاوز 17818 كيلو متر إلا أن مساحتها المعمرة لا تتعدى 1781 كلم مربع (تحديدا تصل إلى 8 في المائة من المساحة الإجمالية للبلاد)، لكن ما هو مسطر من مدن جديدة ومشاريع مهيكلة كبرى وبنى تحتية ضخمة سيغير وجه الكويت جملة وتفصيلا في السنوات الخمس القادمة. بحكم أن رهان الكويت اليوم هو أن تضاعف من حجم المساحة المعمرة لتصل إلى 16 في المائة من المساحة الإجمالية للدولة. وهو رهان سهل التطبيق لاعتبارين اثنين: الأول يرتبط بتخلص الكويت من عقدة صدام حسين، إذ رغم أن الغزو العراقي لم يدم سوى سبعة أشهر (من غشت 1990 إلى فبراير1991).. إلا أن الكويت ظلت دوما مهووسة باحتمال احتلالها من طرف العراق مما جعلها تحجم عن استثمار ولو دينار واحد، فوقع التخلف والتراجع على حساب مدن أخرى (دبي، الدوحة، الرياض، المنامة). لكن اليوم بعد الردمة النهائية لصدام حسين وانشغال العراق في حروبه الداخلية، وقعت صحوة لدى الكويتيين، وهذا ما يقود إلى الاعتبار الثاني المتمثل في أن تلك الفترة (من 1990 إلى 2014) تجمعت في خزائن الكويت الملايير من الدولارات التي يصعب عدها وإحصاؤها. والكويت الآن تريد استعادة مجدها كأول منارة بالخليج كما كانت قبل الغزو العراقي، مع ما سيتبع ذلك من تحرير صناديق الدولة لضخ الملايير المجمعة في خزائن الكويت لبناء عدة مدن جديدة (المطلوع، الخيران، جنوب سعد العبد الله، نواف الأحمد، جنوب صباح الأحمد...) وكل هذه المدن الجديدة تتراوح مساحة كل

واحدة بين 60 و140 كلم مربع، وكل واحدة خصصت لها في المعدل الأدنى خمسة ملايير دينار كويتي (حوالي 16 مليار دولار) للسكن وتجهيز المدن الجديدة فقط، أما المشاريع الأخرى فحدث ولا حرج.

"هناك طلب كبير جدا -يقول ناصر عادل خريبط، مدير إدارة التخطيط في المؤسسة العامة للرعاية السكنية بالكويت لدى استقباله "الوطن الآن" و"أنفاس بريس" بمكتبه- ولدينا طلب استعجالي لتوفير 100 ألف سكن حالا. وهذه المدن الجديدة تستدعي بناء مدارس ومستوصفات وغيرها، أي حاجتنا المتزايدة لليد العاملة لتحريك الاوراش من جهة وتوظيف الكوادر في المرافق العمومية من معلمين وممرضين وحراس أمن، وفندقة، إلخ..."

لكن هذه الأوراش بدول الخليج تحتاج ليس إلى اليد العاملة وحسب، بل تحتاج إلى من يضمن السلم العقائدي والمذهبي لدول الخليج. فهذه الدول -وهذا معروف لدى الخاص والعام- تشهد اختلالا ديمغرافيا لفائدة الوافدين، لكن اليوم مع الحروب الطائفية والمذهبية، أضحت دول الخليج تحتاط في استيراد اليد العاملة من أحواض جغرافية مشبعة إما بالتشيع أو بأنصار الإخوان المسلمين أو تكون عمالتها مؤطرة من طرف مخابرات الدولة المصدرة لليد العاملة.

هنا الفرص الذهبية المتاحة للمغرب: فهو بلد ليست له طموحات سياسية بدول الخليج مثلما هو الحال بالنسبة لمصر أو العراق أو اليمن أو سوريا. فالمغرب بعيد جغرافيا ولم يحدث أن كان طرفا في الصراعات الداخلية السياسية بالخليج أو كانت له أطماع هناك. والمغرب ثانيا ذو مذهب مالكي معتدل ثم ثالثا ظل المغرب دوما يقف في صف الخليج في كل المطبات والمحطات عسكريا وسياسيا.

وهذا ما يطرح بقوة مطلب دراسة المغرب لعيوبه في استمالة السوق الخليجية (بجلب المستثمرين منها أو تصدير اليد العاملة نحوها). فمنذ الجولة الملكية الأخيرة لدول الخليج عام 2012 لم تفعل الحكومة الملتحية الاتفاقيات والالتزامات المسطرة.

نعم، رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، ودول الخليج (مثلها الأغلبية الكاسحة من  الشعب المغربي) لا تحب تنظيم الإخوان المسلمين، ولكن هذا الخلاف لا ينبغي أن ينهض كمبرر لاعتماد "الصابوطاج" ضد مصلحة 33 مليون مغربي، فإما أن يعلن بنكيران ولاءه للالتزامات الرسمية المسطرة بين المغرب ودول الخليج، أو يقدم استقالته إن فشل أو رفض تسريع وتيرة الأجرأة.

الحجة على ذلك أن حكومة بنكيران لم تعمل سوى على «تصدير» 822 مغربي خلال سنة 2014 إلى دول الخليج، أي أن الحكومة بـ 39 وزيرا لم تحقق سوى ثلاث فرص عمل في اليوم بالخليج (ياللسخرية) في الوقت الذي تشير تقديرات المتخصصين الذين التقتهم "الوطن الآن" و"أنفاس بريس" سواء بدول الخليج أو بالمغرب، أن هناك إمكانية لتوظيف أزيد من 600 ألف مغربي بدول الخليج، في تخصصات وحرف متعددة.

وهنا نستحضر واقعة أليمة تتمثل في حرص ولي عهد أبو ظبي على استقدام السائقين من المغرب لمواكبة مشروع إمارة أبو ظبي لتعميم "الباصات" وأوامره القاضية بمضاعفة أجورهم مقارنة مع آخرين (7000 درهم إماراتي)، إلا أن بيروقراطية الماكينة الحكومية وتكلس وزرائنا حرم المغرب من إمكانية إنقاذ أسر مغربية عديدة من البطالة.

هذا مجرد مثال، ترى كم هي الأمثلة العديدة التي قدمت في طبق من ذهب للمغرب لتوظيف أبنائه بالخليج؟

الوضع لم يعد يحتمل والظرف يقتضي سحب الملف كلية من الحكومة، لأن الأمر لا يهم منح الأمل لـ 600 ألف أسرة مغربية (وهذا أضعف تقدير) فحسب، ولا يتعلق بإمكانية مضاعفة تحويلات المهاجرين المغاربة (من 60 مليار درهم سنويا حاليا إلى 170 مليار درهم في حالة تنفيذ هذه الخطة) فقط، بل يرتبط بالحاجة إلى بناء تعاقد جديد بين المغرب ودول الخليج، تعاقد لا يعتمد على أن تبقى الأسر الحاكمة في الخليج هي المدافعة عن المغرب، بل وأن تجعل النخبة المغربية (سياسية وإعلامية ورياضية ومهنية وثقافية وشعبية) من دول الخليج المجال الحيوي للمصالح الجيوستراتيجية للبلاد لنسج علاقات مع المجتمع والنخبة الخليجيتين ليصبح المجتمع الشعبي الخليجي هو المدافع الرئيسي عن مصالح المغرب.

فالرادار لم يعد يلتقط باريز وواشنطن ولندن لوحدها، فهناك الرياض وأبو ظبي والدوحة والكويت والمنامة، وما على المغرب سوى حسن ضبط البوصلة نحو الوجهة الفضلى.

 (تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع، تقرأونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن" لهذا الأسبوع، تجدونه في الأكشاك...)

une-Coul-4