الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: هل ترتكب إسبانيا الأخطاء الفرنسية؟

عبد الحميد جماهري: هل ترتكب إسبانيا الأخطاء الفرنسية؟

هل سيدفع القضاء دولة إسبانيا إلى ارتكاب نفس الخطأ الذي ارتكبته فرنسا؟ مجرى السؤال واضح، بفعل المستجدات التي فتحها قاضي المحكمة الوطنية، بابلو روث عندما قرر متابعة 11 مسؤولا مغربيا بتهمه ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

عناصر التشابه لا تقف عند المتابعة وصكوكها، وهي دوما متعلقة بالتعذيب والانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان، بل هي عناصر تمتد من الديبلوماسية إلى القضاء مرورا بتقلبات السياسة.

أولا عناصر التشابه هو .. الغرابة التي طبعت الملفين معا، الفرنسي المغربي، والإسباني المغربي. وهي تكمن في كون الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا، وفي الدائرة العربية الإسلامية التي امتلكت الجرأة على فتح ملفات الانتهاكات، بما فيها التعذيب والمقابر الجماعية وعرت عن ما فيها من سادية سلطوية، هي التي «يتم تحيين» ماضيها بالرغم من كل المسافة التي تفصلها عنه!!

كما لو أن المغرب مطالب دوما أن يثبت، بفعل ديالتيك معكوس، أنه كان قد اقترف ما لا يحتمل وعليه ، في كل مناسبة سياسية خاضعة لحسابات الربح والخسارة لدى الشركاء الإقليميين أو الأورومتوسطيين، أن يثبت بأنه قادر على ذلك مرة أخرى!!!

ثانيا عناصر الاختصاص الكوني: مثل فرنسي، يدعي القضاء الإسباني أنه يملك صلاحيات متابعة مسؤولي الدول السابقين أو القائمين في جرائم التعذيب.

لكن الغرابة تزداد مع الجارة الإيبيرية عندما نعلم بأن الكورتيس الإسباني (البرلمان) سبق له أن ألغى ما يسمى بقانون "الاختصاص الكوني أو العدالة الكونية الإسبانية" وأبقى الاجتهاد واحدا حصرا على.. الصحراء المغربية.

من المنطقي هنا أن الغرابة تولد ما هو أضيق منها هي نفسها، أي أن الاختصاص الكوني يصبح حكرا على الصحراء، ومن باب المنطق الرياضي أن نستنتج البرهنة التالية: الكون هو.. الصحراء، الصحراء هي الكون!!

ثالثا، التطبيق الانتقائي على المسؤولين: مثل القضاء الفرنسي، الذي رفض تطبيق القضاء الكوني على مسؤول أمريكي شهير هو وزير الدفاع الأمريكي الذي قتل الآلاف من العراقيين في حرب كاذبة، رونالد رامسفيلد،

وأغلق القضاء الإسباني ملفات متعددة ذات طابع دولي تهم الصين -إذ تم اتهام الرئيس السابق جيانغ زيمينع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في التبت، ولكن حكومة مدريد بذلت مجهودات لكي لا يتم ذلك، وهو ما لا نتوقع حصوله في حالة المغرب أو على الأقل إلى حدود الآن- والولايات المتحدة و دول أخرى في لاتينو-أمريكية.

ومثل فرنسا تعود إلى وزارة العدل سلطة التنسيق بين الحكومة وبين الإدارة القضائية والمستشار العام والنيابة العامة، عبر الوكيل العام للدولة.

ويصعب هنا أن ندرك أين تقف السياسة، وأين يبدأ القضاء، مادامت النيابة العامة، وهي على علاقة بوزير العدل، تشجع قضاة التحقيق في المحكمة الوطنية في مدريد على الاستمرار في معالجة مختلف الملفات المتعلقة بخروقات حقوق الإنسان..

لماذا ينجح الأمر في الصين ولا ينجح في المغرب؟

وعلى ذكر السياسة وزوابعها، هناك عنصر تشابه آخر، يكمن في كون حوليات القلق المتبادل، ومن جهة واحدة في حقيقة الأمر سجلت بالنسبة لإسبانيا ثلاث محطات لا يمكن أن يغفلها التحليل:

1 - انتقاد الحكومة الإسبانية لمشاركة رئيس وزرائها الأسبق لويس رودريغيز ثاباتيرو بالداخلة في منتدى «كرانس مونتانا»، الذي استضافته المدينة المغربية في منتصف مارس الماضي. وفيه، قال وزير الديبلوماسية الأيبيرية مانيل مارغايو أن ثاباطيرو لا يعكس موقف إسبانيا. وأضاف بما لا يدع مجالا للشك، "بأنه موقف من الملف ككل ، موقف يتناقض مع المجهودات الدولية لحل نزاع الصحراء".

وإذا ما نزعنا الطابع الاستفزازي لممثل فرنسا في الأمم المتحدة، الذي وصف المغرب بالعشيقة، فإن موقف الخارجية أكثر ضررا وإن كان أكثر ديبلوماسية!!

2 - الرد الإسباني غير اللبق والغامض حول المعلومات التي قدمتها المخابرات المغربية عن خلية «أحفاد يوسف بن تاشفين»، عندما قدم المغرب، في شخص مدير «الإيفبياي »المغربي، عبد الحق الخيام، معطيات دخول الأسلحة من مليلية، نفت إسبانيا كون أسلحة الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها ب 9 مدن مغربية دخلت عبر المدينة المحتلة.

تابعنا مجددا دخول وزير الخارجية الإسباني على الخط، ونظيره المغربي صلاح مزوار الذي ألغى زيارة له إلى الجارة الشمالية، في ما يشبه رد الفعل الذي سبق أن قام به في حق فرنسا في أزمة العام الماضي!

3 - تدور في كواليس الأمم المتحدة، حرب لم تدر بين فرنسا وبين المغرب، منذ أن رفض المغرب مقترحا تقدمت به إسبانيا إلى الأمم المتحدة من أجل توسيع حدودها البحرية في جزر الكناري، وقد تابعنا في مواقع عديدة، بدون تعميم واسع على وسائل الإعلام المغربية من طرف الوزارة المعنية، أن حكومتنا راسلت في الأسبوع الثاني من شهر مارس نفسه الذي عرف توتر كرانس مونتانا، وبعده خلية داعش، رسالة إلى الأمم المتحدة تعبر فيها عن رفضها لهذا المشروع «باعتبار الأمر يتعلق بمنطقة بحرية مشتركة بين البلدين لم يتم الحسم فيها» وهي منطقة من حوالي 296 ألف كلم مربع غرب الكناري.. ومن المتوقع أن يتم تحيين المشكلة عندما ستتقدم إسبانيا أمام لجنة ترسيم حدود الجرف القاري في الأمم المتحدة، على أمل توسيع عمليات التنقيب على النفط.

4 - انفراد إسبانيا بفتح مكاتب للأفارقة لطلب اللجوء السياسي في الحدود مع سبتة ومليلية المحتلتين، في قرار يتغاضي عن مطالب المغرب في الثغرين المحتلين، وعن الشراكة في تدبير الملف الخاص بالهجرة..

من كل ما سبق، هل يمكن أن نسلم بأن القضاء الإسباني لا يتحرك في «مياه» سياسية وإستراتيجية ثابتة لإسبانيا في ارتباط بملفات أخرى، بالرغم من التهدئة المتواصلة والتي رسمتها الزيارة الأخيرة لمزوار إلى إسبانيا والتصريحات المتكررة للبلد الجار في ما يخص التعاون (الأمني والاقتصادي بالأساس؟)؟

هل يمكن أن نتوقع إعادة الفيلم نفسه «روماك»، مع توابل البايلا وبلانشا الإسبانية؟

يقول الإسبانيون y al vino, al vino al pan ,al pan

 وهو ما يعني أن نسمي الأشياء بمسمياتها، أو أن نسمي الفأر فأرا، والمشكلة مشكلة!