الاثنين 2 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المانوزي: حديث الجمعة حول حدث الإجهاض

مصطفى المانوزي: حديث الجمعة حول حدث الإجهاض

عندما طالبنا حلفاءنا بالاهتمام بالإصلاح الدستوري لأن الشرط «الثوري» للتغيير متوفر نسبيا، عمد بعضهم، مستهزئا، إلى رفض الانخراط في الحوار بعلة أن شرط اللجنة التأسيسية لم يتحقق وأن اللجنة الاستشارية تابعة للملك.. وعندما انخرطنا وطالبنا بمدنية الدولة وبحرية الاعتقاد وبسمو المواثيق الدولية على القانون الداخلي، سخر بعضهم من موقفنا بعلة أن وثيقة الدستور جاهزة وما المذكرات والمرافعات والندوات إلا عبث يزكي «مخزنية» المشهد، فصدرت المسودة بباب خاص بدسترة الحقوق والحريات وبإقرار مدنية الدولة وبإلغاء قدسية الأفراد، فتحركت الأقلام والأحزاب «الدينية» والأقسام ذات نفس الموقف والأحكام، فتغيرت المسودة الأولى، وتغيرت الصيغة النهائية دون رد فعل، فاستغل الليبراليون المحافظون الفرصة فساوموا وهذبوا من مقتضيات المساءلة، وتم حذف منع الجمع بين المسؤولية والاقتصاد.. توافقت الإرادات في الضفة الأخرى، فنزل المنتوج هجينا مبتورا، وتكرست أعراف الدولة «المستمرة» رغم مجهود المشرعين ومهندسي الدستور.. فصار كل واحد منا يرى ويحقق ذاته في المقتضيات. لكن كلما ظهرت حالة اجتماعية تتعارض مع التطور والحداثة، إلا وتحركت الأقلام والأفواه والمسيرات، تطالب بالتحكيم.. والحال أن مطلبنا بإقرار «ملكية برلمانية» في زخم الحراك ووجه بالتبخيس والازدراء..

وها هي قضايا المرأة والثقافة والصحة الإنجابية والمساواة والأسرة والتوزيع تتدفق على جدول أعمال وطننا الهش، وصار الدستور فعلا وثيقة ممنوحة للمحافظين ليؤولوا ويفسروا ويفصلوا حسب مشيئتهم، ولم يعد بمقدورنا سوى الاحتكام إلى «التوفيق» الاضطراري، على طريقة المرجئة، وجبر الخواطر بدل جبر الأضرار التي تؤرق صحة الأمهات اللائي تسكن الجنة تحت أقدامهن. وخلاصة القول أننا سنتوافق، حول الأمر الواقع، مسلحين بارتجالنا وبقشور ثقافتنا القانونية والطبية والدينية.. ولا يسعنا في آخر التحليل إلا أن نعتز بالسيستيم «D» الذي ورثناه عن «زعمائنا» السياسيين الذين أسسوا «مغربنا» بالتوافقات والتسويات الفوقية «ضدا» على فزاعة العدمية والتطرف المهددة للاستقرار والإجماع، وبذلك سوف نحقق المراد دون أن يصير ذلك حقا مكتسبا بمثابة قانون، مادام مطلب تقنين الإجهاض لم يسبقه إلغاء لعقوبة الإعدام.

وحتى لا نتهم بالهروب إلي الأمام، أسند النظر للطبيب الذي يقدر الصحة والسلامة حق التقدير وهو المسؤول، واعتبر رأي الفقيه الذي يعلم جيدا بأن «تجارة» الإجهاض السري نشيطة وكثيفة.. وأطالب الحقوقي ألا يتعسف في استعمال الحق في «القتل الاضطراري». ويبقى طلبي للسياسي أن لا يستغل الحوار الجاري للتشويش على مطلب إلغاء عقوبة الإعدام كسلاح للتصفية مع الخصوم والمعارضين.