الجمعة 20 سبتمبر 2024
سياسة

حسناء أبو زيد: بنكيران يعاني من عقدة المنشأ من رحم الإدارة

حسناء أبو زيد: بنكيران يعاني من عقدة المنشأ من رحم الإدارة

منذ توليه مسؤولية التدبير الحكومي إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وحزب العدالة والتنمية يردد، بموازاة سلوكه السياسي، خطابا جديدا من أجل التغطية على مواقف العجز والتردد التي تطبع عمل الأغلبية الحكومية. في هذا السياق يتحدث رئيس الحكومة دائما عن «الدولة العميقة»، وادعاء مسؤوليتها في إفشال برنامجه الحكومي، وعملها على ما يعتبره العدالة والتنمية سعيا شرسا من أجل مواصلة التحكم الفعلي في دواليب الدولة والمجتمع. الأمر الذي يطرح السؤال الحقيقي عن خلفيات الإصرار على تبني هذا الخطاب في سياق تجاذبات العمل السياسي، وعن طبيعة مرجعياته؟ وما هي "الدولة العميقة" التي تسعى فعليا إلى ابتلاع الأمة المغربية؟

"الوطن الآن" في عددها الموجود حاليا في الأكشاك، استقت آراء فعاليات فكرية وسياسية حول هذا الموضوع، ننشر في ما يلي وجهة نظر حسناء أبو زيد، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي.

"اسمح لي أن أقف قليلا عند كون معارضة اليسار عموما والاتحاد الاشتراكي لم تشكك في مفهوم الدولة، وأن أذكر أنها كانت دائماً متهمة من طرف النظام آنذاك وأذرعه الإعلامية ومن طرف الخصوم السياسيين بمن فيهم حزب العدالة والتنمية المحترم بالعمالة إلى الخارج، وظلت هذه ورقة حمراء ترفع في وجه تقدمية المطالَب المشروعة المتعلقة بتوازن السلط وببناء دولة المؤسسات والحريات وبمطلب الملكية البرلمانية.. وشهدت حكومة التناوب التوافقي أشكالا متعددة من المقاومات باستعمال ورقة الأجندات والولاءات الخارجية وأحيانا المشاريع الصهيونية والاستخباراتية الدولية. ويذكر الرأي العام مضمون الاتهامات الموجهة لهذه الحكومة من مختلف أطياف المعارضة السياسية والإدارية أيضاً، كما يذكر كيف اصطبر الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، وكيف استل مفهوم جيوب المقاومة بوطنية عالية، بشكل يعبر عن واقع التعنت ضد الإصلاح ويحافظ على مفهوم الدولة كمرجعية، وهدف للإصلاح ويحمي الاستقرار وثقة الشعب في بلاده.

أعتقد أن لجوء حزب العدالة والتنمية إلى استيراد مفهوم الدولة العميقة من النموذج التركي لا يرجع فقط إلى تأثره بنجاح هذه التجربة سابقا، ولكن يرجع في اعتقادي أساساً إلى عقدة المنشأ من رحم الإدارة عبر حزب المرحوم عبد الكريم الخطيب، رجل النظام، في إطار تشذيب الحركة الإسلامية وضرب اليسار من جهة والتحكم في خيوط التناوب التوافقي المرتقب آنذاك.. لذلك لم يقدم هذا الحزب المحترم في تاريخه منذ تأسيسه مذكرة أو تصوراً للإصلاح الدستوري قبل 2011 وتجنب دائماً الخوض في صلاحيات الملك أو في تعريف النظام السياسي القائم. وبعد حركة 20 فبراير وموقف القيادات ضد المشاركة الحزبية فيها، والانزلاق في تخوينها والتحذير منها وأحيانا التهديد بها، خصوصا من طرف الأمين العام آنذاك عكس بعض القيادات والمناضلين، سيقتبس الحزب من شعارات الحركة محاربة الفساد والاستبداد، وسيبحث عن عدو مستتر غير مكلف في مواجهته، فضفاض في تعريفه، وقابل لتلوينه أحيانا في شخص المعارضة المؤسساتية من أسرة سياسية وأحيانا أخرى في رجال الدوائر المقربة وأحيانا أخرى في المجتمع المدني والصحافة. وبعيدا عن مفردات الإصلاح الذي يلمح به الدستور الجديد من إصلاح للدولة وربط المسؤولية بالمحاسبة والخيار الديمقراطي، وهذا ما يتيحه بأريحية مفهوم الدولة العميقة، حيث تشبع الجرأة في الخطاب المدغدغ الحماسي الذي بعثته من جديد حركة 20 فبراير، وكذلك حماس مناضلات ومناضلي حزب العدالة والتنمية المحترم، وفي الآن نفسه يحمي متبنيه من المواجهة المباشرة المترتبة عن استعمال المفردات الحقيقية لأزمة الديمقراطية في المغرب والمتمثلة في تداخل سلطة القرار وصعوبة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهوس الفاعل السياسي بفكرة التقرب من الملك بتخوين المنافس السياسي، وبشيطنته، وهذا ما يحدث اليوم بين أطراف هذا الاقتتال، غير آبهين بالخطوات الواثقة في اتجاه تحديث نظام الحكم بإرادة ملكية عبر عنها خطاب 9 مارس، وإلا أن خطورتها تكمن بالأساس في عدم انسجامها مع النموذج المغربي، والأثر السيء الذي تتركه في أفئدة الشعب المغربي الذي اقتنع دائما بأن الدولة هي الحق والقانون والمؤسسات التي يطمح إليها، وعرف مساوئ التدبير في "المخزن"، ناهيك عن الصورة السيئة في الخارج وعلى القضايا الكبرى للمغرب. هذا الخارج الذي سيسقط النموذج التركي كاملا، من جيش وشرطة وإعلام وحركات مسلحة وأحزاب توصف بالإرهابية على نموذج مغربي مختلف تماما.

بالنسبة للمعارضة الاتحادية، الأمر لا يمكن أن ينسلخ عن قناعات وأدبيات قائمة استمسك بها حزب الاتحاد الاشتراكي في السراء والضراء، كحزب وطني عاش مراحل متعددة في بناء الدولة على أسس الديمقراطية، ودبر تجربة التناوب الوحيد التي شهده المغرب، لذلك لا يمكن القبول بزرع هذا المفهوم المرفوض في الجسد المغربي. ولكن أيضا في المقابل لا يمكن القبول بمواجهته بما يضاهيه خطورة، وهو ما نسمعه من اتهام حزب العدالة والتنمية بالانتماء إلى ما يطلقون عليه المخطط الإخواني العالمي، وجملة من الاتهامات المسيئة للمشهد المغربي ولهيبته واستقلاله ولنظامه وحكومته ولرئيس حكومته وللمعارضة وأحزابها ومناضليها، وللأسرة السياسية وللتجربة المغربية عموماً. فنحن معارضة وأغلبية مستقلون عن الخارج، ولنا التزامات وأهداف وطنية، هذا لا ينفي انخراطنا في تقاطعات دولية أردنا دائما من خلالها خدمة قضايانا الوطنية، غير ذلك لا يمكن أن يتم الحديث عنه بهذه الشعبوية التي سطحت العمل السياسي والمدني بشكل خطير وصعب الاستدراك، وإلا وجب فتح تحقيقات على مستويات رفيعة بشأن اتهام رئيس الحكومة بالعلاقة مع داعش وتنظيم الإخوان المسلمين من طرف بعض أطياف المعارضة، كما وجب فتح تحقيق بشأن الاتهامات التي قدمها قيادي حزب العدالة والتنمية عن لوبيات السلاح والمخدرات في المغرب في لقاءات جماهيرية أفقدت المواطنين ثقتهم في الغد".