الجمعة 20 سبتمبر 2024
سياسة

محمد حقيقي يطرح مبادرة من آجل إحياء الروح لجمعية المعتقلين الإسلاميين السابقين خلال سنوات الرصاص

محمد حقيقي يطرح مبادرة من آجل إحياء الروح لجمعية المعتقلين الإسلاميين السابقين خلال سنوات الرصاص

توصل موقع "أنفاس بريس" بمقال/ رسالة من محمد حقيقي، معتقل سياسي سابق، كتبها على هامش حضوره لجنازة أحد زملائه في الاعتقال المسمى قيد حياته بوشعيب بلبول.. وفي هذه الرسالة بدأ يحفر في ذاكرته ويقلب التجربة المريرة التي عاشها المعتقلون الإسلاميون داخل دهاليز السجون خلال ما سمي بسنوات الرصاص، طارحا فيه (المقال/ الرسالة) العديد من الأسئلة الحارقة حول مآل زملائه المعتقلين في دروب الحياة ومصائر عائلاتهم.. في ما يلي ننشر نص المقال/ الرسالة كاملا:

"على هامش وفاة المعتقل الإسلامي السابق قيد حياته بوشعيب بلبول بتاريخ 16فبراير من السنة الجارية، وبمناسبة حضوري لتأبينه ببيت العائلة بالدار البيضاء ولتقديم واجب العزاء لأرملته وولده وبنته الصغيرين، انخرطت في التفكير والتأمل بخصوص وضعية المعتقلين الإسلاميين السابقين الذين قضوا زهرة حياتهم داخل اﻷقبية السرية ودهاليز السجون خلال ما سمي بسنوات الرصاص بالمغرب، وأحسست بكل مشاعر التهميش والحقرة والغبن وأنا أتطلع في قسمات بعض الحاضرين منهم وأقرأ في تعابير وجوههم ورؤوسهم التي اعترتها عوادي الزمن أسئلة حارقة حول موقعهم في زحمة الأحداث المتسارعة، وأي دور يضطلعون به لتوقيع شهادة حياتهم وتأكيد حضورهم، وكيف يتخطون تقلبات حالاتهم الاجتماعية وتحدياتها. وتساءلت بدوري، هل يكون من قدرنا أن يجمعنا الموقف والمعاناة والانتهاكات التي طالتنا، وكونت منا عائلة واحدة داخل السجون، كما ألفت بين أسرنا خارج السجون حتى شهدنا زيجات فيما بين المعتقلين؟ هل يكون من قدرنا أنه بفضل صمود هؤلاء المعتقلين داخل السجون وصمود عائلاتهم مع بقية المعتقلين السياسيين الآخرين وعائلاتهم المناضلة ثم إطلاق سراحنا؟ فهل يمكن أن تكون هذه هي نهاية المطاف؟ ونهاية القصة؟ وكل ما في اﻷمر أننا قمنا بعمل آمنا به حتى النخاع، فاختطفنا على إثره ومورس في حقنا التعذيب ولم تتأخر المحاكم أن أدانتنا بالإعدام والمؤبد وغيرها من اﻷحكام القاسية حضوريا وغيابيا في محاكمات غير عادلة.. ويستمر العرض لينتهي بعد نضال داخل السجون إلى إطلاق سراحنا. فماذا بعد؟ هل بالفعل أتممنا المهمة وأنهينا دورنا؟ هل دفنا الماضي، وطوينا ماضي الانتهاكات؟

هذه أسئلة وغيرها ألحت علي وفرضت نفسها علي في لحظة من التأمل، ومضيت أبحث لها عن أجوبة لإشباع إصرارها، لكن في الواقع انقلبت بخيبة أمل، فقد لاحظت أن المعتقلين الإسلاميين بعد إطلاق سراحهم حاولوا الاستمرار في تكتلهم كما كان العهد بهم أيام الاعتقال، من خلال تأسيس مكون يجمعهم وينفتح بهم على آفاق جديدة من العمل المشترك الذي يستمد شرعيته من ماضي الانتهاكات الجسيمة التي طالتهم، ويسجل استمراره في تفاعل مع الهوية النضالية التي اكتسبوها، لكن مع كامل اﻷسف هذه المحاولات كانت تصطدم بالتحديات الاجتماعية التي تطوقهم وخنقت أنفاسهم. وهكذا بدأت الشقة بين المعتقلين تتسع وتزداد اتساعا مع الزمن، واعتكف كل واحد منهم على معالجة حالته بطرقه الخاصة وغرق فيها، وانقطعت كل العرى التي ربطت المعتقلين السابقين داخل الاعتقال، حتى أصبح ما قدموه من تضحيات مجرد حديث عن الماضي ولواعج ذكريات ليست لها أية امتدادات في الحاضر، وأصبح ينتهي إلى مسمعنا بين الحين والآخر أن الموت قد اختطف أحدنا وقد آل إلى رحمة من رب غفور رحيم من أمثال عبد اللطيف مرجان، محمد الصابي، بن حامد، بوشعيب بلبول وآخرين، ناهيك عن رحيل ثلة من أمهات وآباء المعتقلين الإسلاميين، حينها نلجأ إلى تحسس وجوهنا وتفقد دفتر الذكريات وﻻ ندرك أن سيف الزمن داهمنا وسيختطفنا الردى دون أن نتمم مهامنا وسيعاجلنا من غير أن يترك لنا فرصة إنهاء مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه من ضحى معنا من عائلاتنا، ودون أن نقوم بدور لحماية المواطن من هاجس الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي كنا ضحية لها.

نعم اعتقلنا ونحن في ريعان الشباب، وتحررنا ونحن مغمورون بنفس الحيوية، لكننا لم نقف على حقيقة تقدمنا في العمر ووهن العظام منا واشتعال الرأس شيبا، ومرور أكثر من 20 سنة على إطلاق سراحنا، إﻻ متأخرين. فماذا ننتظر أكثر من هذا؟ وما هي حصيلة هذه السنوات العجاف؟ فهل سننتظر حتى يأتي الموت علينا، ونصبح خبرا بعد عين؟ ونقوم على محاسبة الله تعالى لنا عن تقصيرنا في حق أنفسنا وحق الغير، بعدما وقعنا شهادة غيابنا كمناضلين عن الساحة.

علينا أن نتجرد من أنانياتنا، واﻷفضل أن نوظف ما حققناه فرادى فيما يعيد الروح إلى الماضي اﻷليم الذي جمعنا وجمع عائلاتنا، ولنبدأ من جديد جميعا لرد الاعتبار لتضحياتنا وليكون لنا دور وموقف فيما تشهده الساحة المغربية، وإلا طوانا النسيان، وتركنا المجال فقد استفاد آخرون مما قدمناه من تضحيات ونضاﻻت غيرت مسار التاريخ السياسي بالمغرب.

أذكر أن المعتقلين الإسلاميين السابقين (مجموعة ال71 ومجموعة محاكمة 1985 ومجموعة محاكمة مراكش اﻷولى والثانية) سبق لهم إنشاء مكونات تجمعهم وتحمل قضيتهم كان آخرها "لجنة التضامن لقدماء المعتقلين الإسلاميين" التي ولدت ميتة، لذلك أجد نفسي مضطرا بدافع هويتي وما يفرضه علي التزامي أن أقترح عليكم، إخوتي، إنشاء إطار جديد أو تفعيل اللجنة السابقة، من أجل:

- الاهتمام بالذاكرة الجمعية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص.

- رصد مدى قطع الجهات المعنية مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، طالما أن تنازل الضحايا عن مساءلة الجلادين كان بشرط الإقلاع عن الانتهاكات.

- الاهتمام بالحالة الاجتماعية لضحايا انتهاكات سنوات الرصاص، والقيام بما يضمن حقهم في الإدماج الاجتماعي العادل والشامل والدائم.

- الاهتمام بعائلات الضحايا ورد الاعتبار لهم (تكريم الأمهات، ورعاية أبناء الضحايا المتوفين..).

- العمل على تصفية كل ملفات الاعتقال السياسي أو ﻷسباب سياسية للمجموعات الإسلامية المتبقية من سنوات الرصاص، وملف المغتربين الإسلاميين..

إنني إخواني الكرام أدعوكم للتأمل فيما ذكرته لكم أعلاه، وأعتقد أن نفس اﻷفكار والاهتمام يخالجكم، فليس أمامنا إﻻ المبادرة، وإلا طوانا الموت فرادى في صمت.

انتظر تفاعلكم واقتراحاتكم"...