السبت 21 سبتمبر 2024
مجتمع

بعد تناسل ضبط البوليس لسائقين بتهم الإرشاء: مراقبون يرون أن الحكومة تفتقد لخطة وطنية متكاملة للقضاء على الرشوة

بعد تناسل ضبط البوليس لسائقين بتهم الإرشاء: مراقبون يرون أن الحكومة تفتقد لخطة وطنية متكاملة للقضاء على الرشوة

تسارعت وتيرة ضبط رجال الأمن لسائقين بتهم محاولة الإرشاء منذ بث فيديو السائح الإسبالني كوستافو على موقع "يوتيوب" وهو يصور فيه شرطيين مغربيين يتلقيان رشوة منه.. وتلاحقت الأحداث منذ ذلك الحين، إذ لم تمر إلا أيام قليلة حتى تناسل الشريط على الشبكات الاجتماعية بشكل ملفت لتصل نسبة مشاهدته الإجمالية الى ما يفوق 107 ألف، الأمر الذي جعل الصحف والقنوات التلفزيونية الأجنبية تتهافت على نقل الشريط. أمر فرض على الإدارة العامة للأمن الوطني الخروج من دائرة الصمت، فكان أول قرار اتخذته في محاولة لرد الاعتبار للجهاز الأمني هو توقيف الشرطيين اللذين يعملان بالهيئة الحضرية لمدينة طانطان واللذان ظهرا في شريط الإسباني كوستافو وإحالتهما على المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة العيون للبحث معهما حول شبهات الفساد في انتظار عرضهما على السلطات القضائية المختصة. كما تسبب نشر مقاطع من شريط كوستافو في جر الصحافي عادل القرموطي من موقع "هبة بريس" إلى القضاء، إذ اعتبرت الإدارة العامة للأمن الوطني، في بيان نشر بالمناسبة، بأن المقاطع تنطوي على تشهير في حق موظفي الأمن الوطني واصفة الحادث بالمعزول.

ويتضح من خلال بلاغات الإدارة العامة للأمن الوطني المتعلقة بمحاولات الإرشاء تتعلق بمخالفات السير والجولان أو ترويج المخدرات أو السياقة في حالة سكر، علما أن محاولات الإرشاء لا يمكن أن تقتصر بأي حال من الأحوال على مخالفات السير والجولان، فهي موجودة أيضا في الكوميساريات. هكذا تبدو حملة الإدارة العامة للأمن الوطني، وكأنها محاولة لرد الاعتبار لشرطة السير والجولان أكثر منها حملة لتخليق هذا المرفق العمومي، والحرص على التطبيق السليم للقانون والقطع مع الممارسات التي من شأنها المس بمصداقية عمل الشرطة.

ووفق نفس المعطيات، فإن منطقة أمن الحي الحسني احتلت الصدارة، حيث سجلت 7 حالات لمحاولات إرشاء رجال الأمن من أجل التغاضي عن مخالفات مرورية: عدم التوفر على رخصة الثقة، السياقة في حالة سكر، حيازة المخدرات داخل السيارة. وبمنطقة أمن الفداء مرس السلطان سجلت 7 محاولات لإرشاء رجال الشرطة، 6 منها تتعلق بالمخالفات المرورية.

أما بخصوص المبالغ المتحصلة من محاولات إرشاء رجال الأمن فتراوحت ما بين مبلغ 40 درهم الى 100 ألف درهم، وكانت المبالغ في معظمها محصورة في 100 درهم (16 حالة) و50 درهم (7 حالات) و200 درهم (6 حالات) و1000 درهم (3 حالات). إذ يلاحظ أن المبالغ المقدمة في المخالفات المرورية لاتتجاوز 100 الى 200 درهم، في حين تصل في القضايا المتعلقة بتهريب المخدرات الى 100 ألف درهم.

أمر جعل بعض المراقبين يبدون اعتراضهم على حملة الإدارة العامة للأمن المواطنين للإيقاع بالسائقين بتهم تقديم رشاوي تظل جد هزيلة إذا قورنت بحجم المآسي الاجتماعية التي تنجم عنها (المس بالاستقرار الاجتماعي للعديد من الأسر المغربية)، إذ كان من الأجدر البدء بحملات تحسيسية للسائقين أو حملات تحذيرية يقوم بها رجال الشرطة عند تعرضهم لأي محاولات إرشاء قبل البدء الفعلي في تطبيق القانون.

من جانب آخر، كشفت بلاغات الإدارة العامة للأمن الوطني أن جميع محاولات الإرشاء تتم من طرف السائقين، متجاهلة تعرض العديد من المواطنين، وعبر ربوع التراب الوطني، للابتزاز لتقديم الرشاوى لفائدة بعض موظفي الأمن الوطني.. وهو الأمر الذي أكدته تقارير الهيآت الرسمية والمنظمات الدولية على حد سواء، إذ كشفت نتائج استطلاع قامت به "ترانسبرانسي" حول الرشوة في المؤسسات العمومية أن القضاء والأمن يأتيان على رأس القطاعات المرتشية.. فلماذا الإصرار على الإدانة المسبقة للسائقين بتهم إرشاء الأمن والتغاضي عن الابتزاز والشطط في استعمال السلطة الذي يمارسه بعض رجال الأمن من أجل دفع المواطنين لتقديم رشاوى، والذي أكدته العديد من "الفيديوهات" الموجودة بالشبكات الإجتماعية؟ يتساءل بعض المراقبين. ولماذا لم نعاين بيانات تتعلق بتعرض مواطنين للشطط في استعمال السلطة؟ هل لكون المواطن هو الطرف الضعيف في المعادلة القانونية والذي تعوزه وسائل الإتباث مقابل الحجة القانونية لمحاضر الشرطة القضائية؟ ألا تعكس بيانات الإدارة العامة للأمن الوطني نوعا من التحامل تجاه السائقين؟ يتساءل آخرون.

بعض المراقبين، وضمنهم إدريس السدراوي، رئيس المكتب التنفيذي للرابطةالمغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، يرون أن الحكومة الحالية تفتقد لخطة وطنية متكاملة الأطراف للقضاء على الرشوة يكون الجانب الإعلامي والتحسيسي جزءا منها، بالإضافة إلى الجانب التشريعي، إذ يتم الاكتفاء بحملات موسمية سرعان ما تخبو ليعود الوضع إلى حاله السابق، مشيرا إلى أن الكثير من المواطنين يكونون مضطرين لدفع رشاوى أحيانا لرجال الأمن أو الدرك أو في المستشفيات لتجنب سوء المعاملة أو "البطش" وتحرير "مخالفات وهمية ". وأشار السدراوي إلى ان الدولة تتحمل مسؤولية حماية المواطن عند تعرضه للشطط في استعمال السلطة من طرف رجال الأمن. فأحيانا، يضيف السدراوي، تقدم رشاوى لاتقاء الشطط في استعمال السلطة وإتقاء تحرير "مخالفات وهمية"، خصوصا أمام غياب أي سند قانوني للدفاع عن مصالحه بسبب تعقد المساطر، إلى جانب صعوبة إتباث تعرض المواطن للابتزاز في غياب تقنيات حديثة لضبط المخالفات كما هو معمول به في عدة دول.

ويعتقد علال البصراوي، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال-خريبكة أن هذه الموجة من التبليغات بوجود محاولات إرشاء لرجال الأمن تأتي بعد التبليغات المضادة ضد رجال الأمن.. وكيفما كان الحال فقد أعادت الأمور الى نصابها، حسب قوله، فمادامت بيانات الإدارة العامة للأمن الوطني تشير إلى حالات إرشاء حقيقية لرجال الأمن فهي شيء إيجابي، كيفما كانت الخلفيات التي انبنت عليها.. لافتا الانتباه إلى أهمية استمرارها لا أن تكون مجرد حملة محدودة في الزمان. فمنطق الحملات التي عرفها المغرب في مناسبات عدة، يضيف البصراوي، ينبغي القطع معه والرجوع إلى القانون بصفة دائمة، وحتى وإن كانت هناك تقارير رسمية تؤكد تفشي الرشوة في الجهاز الأمني، فإنه ينبغي على المواطن، حسب علال البصراوي، المساهمة في محاربة الرشوة من جانبه، كما على الضابطة القضائية أن تنتفض ضد كل محاولات إرشائها ليس فقط في الطرق، بل أيضا في الكوميساريات وفي كل الأماكن، وأن لا تقتصر على المخالفات المرورية بل ينبغي أن تشمل كل القضايا، بما فيها قضايا الاعتقال وأثناء إنجاز المحاضر.. كما دعا البصراوي إلى إعفاء من يبلغ عن الرشوة من العقاب من أجل تشجيع المواطنين على التبليغ عن جرائم الرشوة.. وهو النقاش الذي ساد خلال الفترة السابقة دون أن يجد مكانه ضمن التعديل القانوني الأخير.