الاثنين 7 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

دلال البزري: الجاذبية الجنسية للإسلام

دلال البزري: الجاذبية الجنسية للإسلام

نحن في العام 2020، عشية انتخابات رئاسية مضطربة تلوح معها بوادر حرب أهلية. فرنسوا يشارف على الخمسين من العمر، أستاذ جامعي، متخصص في الأديب الفرنسي الرجعي جوريس كارل هوسمان (1848-1902)، يعاني من الوحدة، من الهوس الجنسي، ومدمن على تناول الكحول بأشكالها. هو لم يتمكن من الاندماج في ثقافة بلاده، يبغض الحداثة ويحنّ إلى القرون الوسطى حيث كان المزج قائما بين الدين والدنيا، ويرى أن المجتمعات الأوروبية تحتضر ومقْبلة على نهايتها. يأخذ على المسيحية ميوعتها تجاه "الضربات" الحداثية، وأنها على كل حال، ومنذ البداية، ليست دينا للرجال، إنما هي دين "أنثوي". ولكن جلّ همّ فرنسوا ينكبّ على النساء: يكره النساء العاملات، يقول إنهن السبب في زيادة البطالة، أو المستقلات، أو اللواتي تجاوزن الخامسة والعشرين، يدقق بقسوة بالغة في العيوب الجسدية التي تطالهن مع الشيخوخة؛ يشعر بمرارة من قدرة النساء المتزايدة على إنهاء علاقتهن بالرجال، يسخر من الدراسات حول النوع، من اللواتي بلغن مراكز مرموقة في الجامعة، يدعو إلى العودة للنظام البطريركي، يعشق الأيام التي كانت فيها النساء ممنوعات من الخروج، عاملات من الصباح إلى المساء في الطبخ. ولا يلتقي بامرأة، مهما كان عمرها أو وضعها، إلا ويكون قد فحص قدرتها على إثارته، وإذا لم توجد، تخيل النساء المحجبات خلف "برقعهن"، أو عاد إلى صحبة بنات الهوى أو المواقع الإباحية.. ومنذ أن خرج من إحدى العلاقات المخيبة مع إحدى النساء، وضعفت قدرته على الاهتياج الجنسية، وبعدما تأمل بقرف في الحياة الجنسية المملة لزملائه، يقرر نظامه الجنسي الصارم: وهو نظام يقوم على مصاحبة إحدى طالباته الجدد في أول العام الدراسي، وإقامة علاقات جنسية بحتة معها، ثم إنهاء العلاقة في نهاية العام، فالعودة مجددا في العام التالي... وهكذا؛ فلا تسأله عن الحب، هو مشغول فقط بعضوه الجنسي فحسب، كما يقول.

ويحصل في ذاك العام أن الدورة الأولى في الانتخابات الرئاسية دفعت إلى الواجهة حزب اليمين المتطرف وحزب "الأخوة المسلمة"، الإسلامي، كما يصفه فرنسوا، بقيادة محمد بن عباس. وفي الدورة الثانية، يصعد "الحزب الإسلامي" بتجيير اليسار واليمين المحافظ أصواتهم لصالحه، فتبدأ حياة أخرى بالنسبة لفرنسوا. يحاول بداية الهروب إلى المسيحية كما فعل كاتبه المفضَّل، هوسمان، ولكنه يعود إلى باريس منجذبا إلى أحد زملائه، وقد أسلم وصار شخصية مهمة في الجامعة، وكان أول ما فعله انه تزوج، هو الستيني، بمراهقة عمرها خمسة عشر عاما، وأبقى على الزوجة الأولى، وعمرها أربعين عاما، راضية سعيدة بمصيرها، تقوم بخدمة الضيوف، فيما المراهقة تلبّي نزوات زميله الجنسية. الغواية تدفع فرنسوا إلى استكشاف هذا الدين السعيد، يعطيه زميله كتيباً، سوف يُفهمه بسهولة ما هو الإسلام، عنوانه "عشرة أسئلة عن الإسلام". يقرأ فرنسوا الكتيب بلهفة من يبحث عن شيء، يمرر بسرعة كل "الأسئلة" التي لا تهمّه ليصل إلى "السؤال" الأساس، تعدد الزوجات: الإنسان عليه إطاعة الله، والمرأة عليها إطاعة الرجل، ثم شروحات عن فلسفة تعدد الزوجات والديموغرافيا واللذة وضرورة وجود الفوارق الكبيرة في الثروات، لا يهمّ فرنسوا ولا القارئ، إن كانت مفهومة أم لا... ولكنها ذات هيبة أكيدة، لأنها كلام الله الذي لم تستمع إليه المسيحية، ذاك الدين الناقص الذكورة... يجد فرنسوا في هذه التعاليم ضالته، ينسى، أو يتناسى، الإشارة إلى منع الخمر، ويقرر أن يؤسلم، لينتهي الكتاب بعزمه على الزواج من ثلاث مراهقات دفعة واحدة.

تلك هي الخلاصة الشديدة لكتاب الروائي الفرنسي ميشال أولبكْ "طاعة"، والذي أخذ طريقه نحو الجمهور بسرعة لم توقفها مؤقتا إلا جريمة "شارلي إيبدو"، ليعود مجدداً ويبلغ المرتبة الأولى في المبيعات، ويترجم فوراَ إلى عدد من اللغات الأوروبية. ومن الواضح أن الفكرة التي بنيت عليها الرواية هي أن الخلاص من الاضطرابات الجنسية التي تسببت بها حركات تحرر المرأة، والتي أضعفت حظوظ الرجال في اللذة الجنسية المستمرة، لن يكون لها حل إلا باهتداء أولئك الرجال إلى الدين الإسلامي، ليستعيدوا بطريركيتهم وذكوريتهم المفقودتين. لتقتصر بذلك الدوافع إلى الأسلمة على جاذبية الإسلام الجنسية.   

هذا ما يريد الكتاب أن يقوله عبر قصة فرنسوا بطله، الراوي، هذا ما أراد الروائي قوله أيضاً. وفي شخصية هذا الأخير، أي الروائي، وفي مظهره الخارجي المنفر قصدا، كما في الكتاب، إشارة إلى ذلك؛ وإشارة أخرى إضافية مثل قول فرنسوا بأن الحل المثالي الذي أوجده جوريس كارل هوسمان للترويج لأفكاره هو "اعتماد شخصية رئيسية تكون هي الناطق الرسمي باسم الكاتب" (ص49). مهما يكن من أمر، ومهما تكن الثغرات الهائلة في الكتاب وعلى رأسها، أن معرفة صاحبه بالإسلام تقتصر على كتابات باحثين عن الإسلام الفرنسي في الضواحي الباريسية والمدن الكبرى... مهما يكن من أمر، فإن رسالة الروائي لا تخطئها عين مجردة: من أن المشكلات التي يواجهها الغرب بسبب ديمقراطيته وحداثته وإنسانويته ونسويته لن يكون لها حل إلا في الإسلام، القائم على تعدد الزوجات الصغيرات. كتاب ينطوي على هجاء لكل من المسيحية والإسلام والحداثة والديمقراطية والنسوية والنساء. وبهذا يلتقي مع "فكر داعش"، الذي تفوّق عليه مؤخرا بأن نشر "برنامجه" النسائي الذي يلحّ على تزويج البنات بدءا من التاسعة من العمر...

(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)