الاثنين 7 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: دواعش الجهل

وحيد مبارك: دواعش الجهل

في الشرع الإسلامي، لله سبحانه وتعالى وحده القدرة والسلطة للمعاقبة بالحَرق، وما تُقدم عليه بعض الأنظمة في باب "القصاص" الدنيوي، والزجر القانوني نظير جرائم مختلفة، من وأدٍ للنفس، فيه نقاش، وسجال، ونضال للحقوقيين من أجل القطع معه، سواء كان رميا بالرصاص، أو ضربا بالسيف، أو من خلال الشنق، لأن كل عقاب مقبول، متى تم الاحتكام للآليات القانونية بالموازاة مع الحقوقية، إلا القتل. فكيف لعاقل أن يقبل بأن يشرعن متأسلمون التنكيل بضحاياهم وأن يضعوا لحياتهم بمنتهى المزاجية حدّا وأجل، وهم دعاة للجهل؟

لقد أصبحنا مؤخرا نستفيق ونحن في خضم فورة النقاش الحقوقي حول الحق في الحياة، على مشاهد إزهاق الأرواح باسم الإسلام الذي هو براء منها، هي مماثلة بل وأفظع من تلك التي كانت في عصر الجهالات، تخرج بنا من حقبة الأنوار، ومن روح الإسلام وقيمه الفضلى لتعود بنا إلى زمن الظلمات، تنقل إلينا، مستفيدة في تناقض صارخ من التطور التكنولوجي والمعلوماتي، أبشع صور الفظاعات، من أجل زرع الشك، نشر الرعب، والإيمان بالخرافات!

الدواعش بيننا في كل مكان، ليس بينهم أملس، يتلذذون لمشاهد الدم ولفصل هذا الجسد أو ذاك عن الرأس، يرفضون أن يينع الفكر ويتطور العقل، أن يحب الناس الحياة ويرون فيها الأمل، يكرهون الشعر والمسرح والرسم، ويعشقون الحزام الناسف والسيف لا القلم، وهم يتلذذون بتعذيب ضحاياهم ورهائنهم ومعاينتهم وهم يئنون من الألم.

دواعش امتطوا الدبابات، ووجّهوا للبشر مسلمين ومسيحيين وغيرهم فوهات القاذفات، وجعلوا من إطلاق الصواريخ والرصاص عناوين تترجم ما تشتهيه أنفسهم وما بها من غرائز وميولات، بعضهم اختار أن تكون الجثث وسيلتهم للاقتيات، والبعض وإن لم يقتل علنا، خوفا أو ترقبا للقتل، فهو منتشٍ للوضع باحثا له عن مسوغات وتبريرات، في حين أن فئة أخرى هي صامتة بين ظهرانينا، مزكية، مباركة، ومدعمة، وإن لم تفصح جهرا عما تكيده من دسائس وتضمره من نيات.

نعم هم موجودون معنا، فأن ينعت إدريس لشكر لتصريح له بالكفر، أن توصف مناضلات هذا الحزب أو ذاك بالعُهر، أن يصنّف النقاش الفكري على أنه فُجر، ويستمر أصحاب الفتاوى التكفيرية في الدعوة لطروحاتهم بالقول والكتابة والنشر، ينفثون السموم ويحرضون النفوس بدعوى شحذ الهمم، ويزرعون دون أية مساءلة قانونية خطابات الفتنة والشرّ، فليس لذلك أي مبرر أو عذر، بل هو تشجيع على الدعشنة وعلى تفريخ المزيد من المتطرفين وتكرار مشاهد الذعر،  سيحاسب الجميع على تبعات ذلك ولو طال الدهر.

دواعش رضعوا الحقد والعداء، تستهويهم دموع اليتامى وعويل النساء، البعض منهم صنيعة، والبعض نتاج لسياسات عمياء، هم جماعات موجودة في كل وطن وإن كانوا يرفضون له الانتماء، يباركون الموت ولدعاته يقدمون البيعة والولاء، للسلم، للتعايش، للديمقراطية، لحقوق الإنسان ولكل القيم الكونية هم أعداء، أفواههم لا تعرف إلا الذمّ والتكفير والهجاء، هم عنوان عريض لكل أشكال البلاء!