الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس القري: من تصحُر السينما إلى سينما الصحراء.

إدريس القري: من تصحُر السينما إلى سينما الصحراء.

لم أكن أشك مطلقا في سحر بلادي ولا في جمالها، لكن زيارتي لمدينة الداخلة وخليجها لأول مرة، وفوزي بالتعرف علی عينة من شبابها وجمعوييها وثلة من أطرها في المجتمع المدني الضاربة آماله وآلامه، أحلامه وأمانيه في رمالها وفي كثبانها، في تاريخها وفي جغرافيتها، في خلجانها وفي ضفافها، في محبتها للوطن في كليته وفي ومعاتباتها له المثخنة محبة، جعلني أكثر قدرة واقتناعا على أن أقول بأن هواء بلادي في جنوبها وفي أقصاه على الخصوص، وفي تضاريس جسد هذا الجنوب الفاتن وفي تقاسيم كثبانه وامتداداته المحيطية والرملية الحريرية الغاوية بتشكيليتها الجمالية وبروعة وتلقائية لوحاتها الفنية وببهاء وكرم أهلها وبسحر ذهبيتها المخترقة للنفس وللجسد، يجعل المرأ يتمنى لو كانت هذه الفضاءات مصدر إلهام لصناعة الصور عندنا، والصور السينمائية منها على وجه الخصوص، ناهيك عن حاجتنا الملحة لدخول بناء معماري تخييلي إبداعي حقيقي حول فضاء تاريخي مجيد إنساني وثقافي رفيع لا زالت كنوزه تقبع عذراء بين ثنايا محرابه.

فضاءات الصحراء في البلدان التي تتمتع بأراض رملية حريرية مثلنا من المكونات القوية لسحر الإبداع السينمائي في عدد منها، بدءا بسينما هوليوود وكبارها وصولا إلى السينما الإيرانية مرورا بالسينما الأسترالية والإفريقية في إشراقاتها الكبرى، بل وحتى في الكثير من الإنتاجات العالمية الضخمة أوروبية كانت أو أمريكية والتي تستعير صحراءنا أو صحراء بلدان أخرى لا تتوفر عليها لصناعة حكايات مذهلة في فضاء سحره كان دائما حاملا لكبريات الأحداث التي طبعت المنعرجات الكبرى للتاريخ الإنساني.

يأتي المبدعون لاستغلال فضاءاتنا الصحراوية مستلهمين حقبا وأحداثا وقصصا مجيدة من بطولات إنسانية كونية من خلال نسيج درامي، بالمعنى الفني، أنبياء ورسل وقادة عسكريين وسياسيين وعلماء وفلاسفة... احتللنا منها مساحات محترمة عبر التاريخ، فلِمَ نحن عقيمون إلى هذا الحد وشبابنا وشيبنا مقبلون بشكل مدهش على التواصل بالصور والموسيقى والجسد (وكلها صلب السينما) وعقر متخيلنا تغزوه صور مُضللة، تفسد السلوك والقيم، وتسمم الأفكار والصورة في ذلك من أنجع وسائل هذا الغزو؟ ما قيمة ما ننتجه حتى ونحن في مركز إفريقي متقدم من الإنتاج السينمائي اليوم من حيث النجاعة والفعالية، ليس في الدفاع عن قضايانا بسلاح الصورة الفتاك، بل وفي بناء مشروعنا المجتمعي الحداثي الذي لا شك أنه يعاني من هنات تلاشي النخب وتيه الشباب وعقم الأفكار وانحسار الحراك الاجتماعي الذي وحده قد يدفع بدماء جديدة إلى فضاءات المسؤولية؟

الصحراء في سينمانا الوطنية خابية البريق اللهم من محاولات قليلة و"مُتصَحِرة" المضامين والامتدادات الجمالية والإنسانية الرفيعة، فلعل المبادرات الجديدية الموجهة نحو تقوية وتشجيع هذه الفضاءات ستعرف طريقها بمسالك صافية وملائمة كفاءةً وصرامةً في التصويب نحو سينما تستلهم سحر الصحراء وفتنتها في بلدنا العزيز.