تنعقد دورة جديدة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في الأسبوع الأخير من شهر فبراير القادم. مايميز هذه الدورة نظريا لحد الآن هو جملة من المستجدات، القديمة، التي تثير جدلا وحماسة وتصميما تتراوح شدته حسب المعبرين عنها وحسب منطلقاتهم، وهي منطلقات تظل محكومة في كل الحالات وبالضرورة، بتصورات وبمصالح ظاهرة أو مستترة في حقل لا مجال للتجرد فيه من المصالح، بقدر ما المطلوب فيه هو القدرة على بنائها بشفافية ومعقولية (الموضوعية في العلم وليس في مجال المعياريات) وليس على تناقضات صارخة وعلى ذاكرة قصيرة بشكل لا يُصدق.
بين الأمس واليوم لا زال الفاعلون هم أنفسهم لم يتغيرون، ولا زالت شراستهم في المطالبة بمواقع معينة إلى جانب المؤسسة هي نفسها لم تتغير، والبداية كانت دائماً تهانيء وتفاؤلا بل وحماسا وتوقعات بالفتح المبين.
بالأمس انضمت الغالبية العظمى من الفاعلين للتصور الجديد وشهدت ممرات المركز السينمائي المغربي ازدحاما ..... ومع المدة حدث ما حدث وتكونت، هو منطق المؤسسة، "صفوة" وفريق عمل وكان ما كان من حصيلة قد لا تكون خارقة ولكنها متميزة تماما في تاريخ مسار، لا يمكن لأحد ادعاء الخلق فيه من عدم فيه، مع التشديد على اختلاف ما راكمه هذا وذاك ليبقى حاملوا الثقل كله هم الدائمون وهم موظفوا القطاع والفاعلون باستمرار من خارج "المؤسسات" وما تحمله من مكائد ومكر وتضحية وصراعات، لا يقدر عليها وعلى الاستمرارية فيها إلا محترفوها منذ سنين.
كان المهنيون بكل مكوناتهم والنقاد وقطاع الثقافة والإدارات الوصية والمسيرة منذ البداية طرفا في التفكير وفي تصميم وتنظيم وتسيير الملتقى الوطني الأكبر والرسمي للفيلم المغربي: تغير الإيقاع والأسلوب والتدبير بعدها فتغيّرت النتائج ومعها الرهانات والعلاقات والمعايير.
ثارت الزوابع، الصامت منها والمدوي، ثم جاء الوضع الجديد تحت علامات استفهام معقولة وتشكيلات منها المؤسس ومنها الغاضب الانفعالي: وهاهي الأمور تسير الآن وعلامات الاستفهام لازالت تنتظر أجوبة واقعية وملموسة: أول الغيث عود على بدء لا أراه لا مثيرا ولا يستحق الاحتفال إلا بقدر استقطابه للكفاءات ولقيم الجودة والمعايير المؤسسة على تراكم حقيقي ومعقول من التجربة والإنتاج والتمرس في التكليف والمسؤولية والتحكيم. أما اشراك الهيئات كلها لتبقى هذه المعايير وهذه المقاييس في مهب الريح فلا أعتقد أن هناك ما يُفرح ويستدعي تصفيقا.
يهمني في هذا السياق وبالأساس كل ما يتعلق بالشغف وبالثقافة السينمائية إذ اعتبرهما تحصينا ""للسلوك السينمائي الوطني""، بالمعنى الشامل لكل العمل السينمائي، بكل وضوح وبكل تفاؤل، لا حياة بدونه، أرجو من السينيفيليين الإبقاء على مسافة بينهم وبين الواقع، وإذا كانت البدايات والنهايات غالبا ما تتشابه في مسارات يفرضها منطق المؤسسة وليس الأشخاص فقط، فإن صفاء الرؤية وشموليتها يقتضي دائماً تجريد الذات الفردية الضيقة الحسابات عن الذات الفاعلة الرحبة الرؤية، وإلا ..... فأهلا بالمهرجان الوطني ووداعا للجامعة الوطنية للأندية السينمائية.