قرر المركز السينمائي المغربي، من خلال لجنة غذت منذ سنوات طويلة تعبيراً عن التطور الجميل بالمغرب للحفاظ ولحماية حرية الإبداع ولو جزئيا في الحقل الثقافي والفني، قرر منع عرض فيلم عالمي كبير لمخرج لا غبار على شجاعته الفكرية وعلى تحرره من الخلط بين الدعائي الرخيص والفني الإبداعي الثمين، بين الخيالي الوهمي المقرف بنيّته الدعائية الفجة أو "الذكية" المقيتة وبيت التخييلي المتحرر من اليقينيات المدمرة للحقيقة والقاتلة لوعي الفردانية، بل والمواطَنة الحرة الواعية المساهمة في بناء تماسك حقيقي وعميق وطوعي لنخبة حداثية السلوك والتفكير والمبادرة.
اتسم قرار المنع بالتردد في البداية لينتهي إلى إقراره وتطبيقه حتى قبل خروجه إلى العلن، ولعل خروج المركز السينمائي المغربي من صمته كان ذَا دلالات واضحة في سياق توضيح الدوافع وراء القرار.
أشار المركز، بما لا يدع مجالا للشك، إلى أن ممثل وزارة الاتصال هو أصل التحفظ، ثم القرار فيما بعد بالإجماع. فهل من تحليل بعد هذا التأكيد: وزارة أي سلطة حكومية حزبية سياسية هي القابعة وراء القرار، بل وتسريب لخبر أن تقريرا أمنيا لا ثقافيا ولا فنيا ولا علميا ولا حتى اقتصاديا.....
ماذا بعد؟
لنقلها مرة ثانية... حرية الإبداع جزء من حرية الإنسان التي تمنح معنى لإنسانيته ككائن ثقافي مبدع، يستعيد الوجود ليقدمه في صيغ لا تقلد الطبيعة، لأن تقليدها لن يتعدى التشويه على حد تعبير فيلسوف الجماليات، بعد كانط، "هيغل". ولعل هذه الحرية الإبداعية هي صلب بل وأقصى درجات الحرية بمعناها الشامل غير القابل للتجزيء. فمتى يفهم القائمون على الأمور تدبيرا وتسييرا في هذا البلد بأن ما يظهرونه من إصرار وقوة ثبات على القرار عندما يتعلق الأمر بثوابتنا السياسية، أمر ينبغي له أن يكون اختيارا إستراتيجيا في سياق قيم المسؤولية والواجب والحق والجمال، بل والحرية بالذات وليس في سياق آخر.
لا مجال في هذا السياق للتبرير، ففتح باب التبريرات مهما كانت، هو فتح لباب انتقائية معيبة لن يُقْفَل، وخاصة في بلدٍ، الوعي فيه بقيمة الحرية هش، على كل المستويات، حد الخوف من تراجعات أثبتت التجربة أنها دائماً واردةٌ، وهذا لا يعني تجاهل تثمين التطور الحاصل منذ أكثر من عشارية بكل تأكيد ببلدنا.
على الذين "قرروا" المنع أن يضعوا فيلم هذا المخرج الكبير في سياق فكري وفني رفيع، ومنه الفيلم الذي تحلى بشجاعة كبيرة واستثنائية في تمجيد تاريخنا الباذخ في فيلم "مملكة الجنة" .....
فهل منعه الغرب رغم تضرره منه إيديولوجيا وثقافيا من المنظور الإستراتيجي الذي يجعل الفن والثقافة تنافسا عالميا في الإبداع والتواصل؟
واهِمٌ من يخلط بين الإبداع والسياسة بشكل ضيق وانفعالي سياسيا وأيديولوجيا ....
فهاتوا ما عندكم من نجاعة إبداعية عِوَض إقفال باب الحرية عجزا بتبني أسهل الأسلحة، وهي أسلحة التبريرات الناطقة بالتردد والضعف في استيعاب طبيعة التحديث والحداثة.