تم اعتقال كل من"أكرم دومانلي" رئيس تحرير جريدة "زمان"، أكبر جريدة تركية يومية من حيث المبيعات (937.000 نسخة يوميا)،و"هدايت كاراجا"، المدير العام لمجموعة تليفزيونية "سامانيولو" التي تضم 5 قنوات، وغيرهما من الصحفيين والمنتجين وكُتاب سيناريو المسلسلات والمخرجين العاملين في هاتين المؤسستين الذين بلغ عددهم 32 شخصا، في ساعات مبكرة من صباح 14 دجنبر إثر مداهمة للشرطة التركية لمنازلهم ومقرات أعمالهم.
الصحفيون والتليفزيونيون المذكورون يواجهون تهما من قبيل "الاستيلاء على سيادة الدولة"، و"الانتساب إلى منظمة إرهابية مسلحة".
وتم كذلك اعتقال بعض القياديين الأمنيين وأفراد الشرطة في نفس الحملة الاعتقالية التي نفذت في أنحاء متفرقة من البلاد.
وكان لافتا للنظر أن تلك الموجة الاعتقالية التي استهدفت الصحفيين وافقت الذكرى السنوية لتحقيقات الفساد التي انطلقت 17 من دجنبر 2013 والتي اتهم فيها أردوغان بالفساد والرشوة، واستهدفت التغطيةَ على التحقيقات وكتمَ صوت من يتحدث عنها.
وأُبرزت للصحفيين المعتقلين مذكرة اعتقال في سياق بيان سبب اعتقالهم، تشير إلى عملية نُفذت سنة 2010 على "مجموعة تحشية/مجموعة محمد دوغان"، ذات الصلة بتنظيم القاعدة. فحسب ادعاء النيابة العامة لم تكن أي صلة لهذه المجموعة بالعنف. أما المسؤولون الأمنيون وقتذاك سجلوا علاقتها بالعنف، فلما نُفذت عملية أمنية ضدها نشرتها جريدة الزمان وقناة سامانيولو خبرا. وكذلك من خلال مسلسلات قناة سامانيولو تم انتقاد تلك المجموعة وفضحت ممارساتها. غير أن مذكرة العملية الأمنية التي شُنت ضد المجموعة المعنية كانت تحمل تحتها توقيع "أغوز كان" المدير العام لدوائر الشرطة وقتذاك، الذي هو حاليا نائب برلماني من حزب العدالة والتنمية. حيث عثرت جراء العملية الأمنية تلك على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر.
لقد نفذت العملية الأمنية سنة 2010 على تلك المجموعة التي كانت متعقَّبة أمنيا منذ 2008، إثر إصدار محمد دوغان زعيم تلك المجموعة في جلسة لأعضائها أمرا بشن هجمات إرهابية. فكان دوغان في تلك الجلسة يقول: "لا إسلام بدون سيف" ويمدح إمام مسجد يصنع صواريخ في منزله يدعى "فرشات"، وكان يأمر أعضاءها بشن الهجمات من خلال صنعهم الصواريخ مثل ذلك المدعو فرشات.
فإثر ذلك التصريح بشن هجمات إرهابية نفذت عملية أمنية ألقي القبض خلالها على أفراد تلك المجموعة. وفي المحمكة التي أحيلوا إليها حكم على بعضهم بالسجن وأفرج عن الباقين.
وفي الأيام التي كانت تنفذ فيها عمليات أمنية ضد خلية "تحشية" التابعة لتنظيم القاعدة، اشترك في نشر أخبارها جرائد وقنوات وطنية كذلك.
غير أن الحكومة التركية بسبب انزعاجها خاصة من الأخبار التي تتناول تحقيقات الفساد والرشوة، نفذت حملة أمنية على مجموعة سامانيولو وجريدة الزمان بعد أن تم تغريمهما ملايين الدولارات بواسطة مؤسسة عمومية مخولة بمراقبة القنوات والإذاعات.
فيتبين من هنا بوضوح سبب تنفيذ الحكومة التركية حملة أمنية ضد جريدة الزمان ومجموعة سامانيولو أنها كانت بسبب موقفها المنتقد. علما أنه طُرد في تركيا في الآونة الأخيرة من وظائفهم صحفيون يبلغ عددهم 200 صحفي، منهم حسن جمال، محمد ألطان، أحمد ألطان الذين لهم صيت على مستوى عالمي بسبب ضغوط الحكومة على أصحاب الجرائد التي يعملون فيها. وأصبح من المعتاد أن يشهد الناس كل يوم على نماذج شتى من ضغط الحزب الحاكم على أصحاب الجرائد من خلال تشديد المراقبة الضريبية عليها.
في تركيا التي تتحول إلى دولة سلطوية يوما بعد يوم تحققت اليوم نفس مشاهد انقلابات عسكرية وقعت قبل 34 عام. حيث حوصرت أكبر جريدتين تركيتين وقناة تليفزيونية في حملة أمنية اشترك فيها 8 آلاف من القوات المساعدة. ونفذت عملية تفتيشية في مباني الجريدتين من طرف شرطة مكافحة الإرهاب.
ومن جانب آخر ألغت الحكومة التركية رخصة تصوير مسلسل يسمى "TEK TÜRKİYE" أي تركيا الموحدة، التي كانت تذاع في قناة سامانيولو، لعدم موافقة مضمونها مع سياسات الحكومة، في مدينة قونية، ولما أرادت القناة تصوير الفيلم في مدينة أخرى منعتها الحكومة من الحصول على الرخصة كذلك، ما أدى إلى توقف المسلسل. فكان هذا المسلسل الأكثر مشاهدة ليلة إذاعتها على القناة. وأطلق فريق المسلسل السابق نفسه مسلسلا آخر سموه "صونغورلار" –الصقور- وحصدوا مشاهدات عالية. وكان هذا المسلسل ثاني برنامج الأكثر مشاهدة لما أذاع حلقته الثالث عشر مساء السبت 13 دجنبر. وبعده بيوم أي 14 ديجنبر صباح الأحد ألقي القبض على كاتب سيناريو للمسلسل والمنتج والمخرج وفني التصوير وغيرهم من العاملين إثر مداهمة مباغتة للشرطة. وكان سبب الاعتقال وفق منفذي الحملة أنه محاولة لتشويه سمعة "مجموعة تحشية" ذات الصلة بتنظيم القاعدة.
واليوم يعيش الإعلام التركي أصعب أيامه بسبب تحول رجب طيب أردوغان إلى رجل سلطوي يوما بعد يوم، وبسبب تغيير رؤساء الصحف والجرائد نتيجة مصادرتها بأساليب شتى وتقلبها من يد إلى أخرى.
فموضوعات تتعلق بـ"داعش" والمنضمين إليها من تركيا، ونقل الأسلحة إليها، وأخبار تتعلق بتنظيم القاعدة، هي أكثر المواضيع حساسية من طرف نظام أردوغان لئلا يتم تناولها إعلاميا. فرغم التوترات والأحداث التي تشهدها الحدود السورية التركية بالكاد استطاعت الشرطة التركية أن تنفذ العملية الأمنية الأخيرة ضد تنظيم القاعدة العام الماضي. على أثرها أقيل أفراد الشرطة وقياديون أمنيون نفذوا تلك العملية بأمر من أردوغان فورا، وفُتح تحقيق في حقهم بتهمة "التجسس"!.
أما اليوم فبسبب العملية الأمنية التي نفذت عام 2010، أي قبل أربعة سنوات ضد تنظيم القاعدة والتي أحيلت إلى المحكمة، يتعرض صحفيون وتليفزيونيون محترمون لمداهمات الشرطة.
وضروري هنا أن نشير إلى نقطة مهمة؛ أنه قبل ثلاثة أيام أقدم أردوغان على تمرير مشروع قانون في البرلمان بسرعة غير مسبوقة يتيح الاكتفاء بمجرد " شبهة معقولة" اعتقال ومصادرة الأموال بلا أدلة ملموسة، وهوالقانون الذي وافق عليه بصفته رئيسا للجمهورية. والحملة الأمنية الأخيرة التي نفذت ضد الإعلام تمت استنادا على هذا القانون. علما أنالصحفيين الذين تم اعتقالهم أخيرا وما زالوا تحت الاعتقال، سبق وحذروا من أن يتم استغلال قانون "شبهة معقولة" هذا، بدل "شبهة قوية لثبوت الجريمة" و"الشبهة الملموسة" اللتين عرفتا في القوانين الجنائية، للقضاء على المعارضة والإعلام الحر في تركيا.