السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

بوشعيب دوالكيفل: التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية.. الصفقة الغامضة

بوشعيب دوالكيفل: التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية.. الصفقة الغامضة

عادَ وٌد عجيب وتوافق غريب إلى صفوف "المجلس الإداري" المنبثق عن جمع عام غير شرعي للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، وتم التعبير عنه ببلاغ مدفوع الأجر يبشر باعتماد ميزانية جديدة برسم سنة 2015، ستعمق النزيف وجراح المؤسسة، وستوسع التراجع في آمال تحسين انتظارات المنخرطات والمنخرطين. ومع هذا المستجد سوف يتواصل اتساع رقعة الفساد والإفساد  وسوء التدبير، وإساءته إلى دواليب التعاضدية العامة، بعد أن شاع بصيص أمل في استيقاظ أعضاء من سباتهم وارتياحهم الوهمي لسير الأمور، كما خابت، في ذات الآن، الآمال التي تم تعليقها على صحوة عابرة لمسؤولين في مواقع القرار الإداري والمالي، لكن الصحوة كانت مثل السكرة العابرة التي انتهت بانتهاء مفعول عوامل سطحية لخلافات ظنها البعض قائمة على مبادئ وقيم ما.

هكذا انفضحت نسخة جديدة من مسلسل الفساد في التعاضدية العامة (MGPAP)؛ هكذا برزت معالم الصفقة الجديدة التي ستزداد حلقة جديدة منها في سلسلة صفقات مبرمة وقابلة للتجديد التلقائي ما دامت المصالح تلتقي على أكثر من أرضية، وينضاف إليها مستفيدون جدد وقدامى تجمع بينهم المنافع والريع التعاضدي الذي ارتفع صبيب منابعه وتنوع، في غياب تام للرقابة الحكومية التي تحولت بعض دواليبها إلى تواطؤ مكشوف لم يعد يداري انخراطه في مسلسل الإفساد التعاضدي، ممثلا أساسا في وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الطارئ على حكومة بن كيران في نسختها الثانية، حيث حل محل رفيقه في الحزب عبد الواحد سوهيل.

فما الذي وقع للمتحكمين في رقاب التعاضدية ليبلع البعض لسانه، وليتملص آخرون من بيانات ورسائل اعترفوا فيها ببعض مظاهر الفساد والإفساد التعاضدي ونددوا بها.

ما الذي حصل ليتملص 12 عضوا من مضامين رسالتهم الموقعة بأسمائهم والمؤرخة في 12 شتنبر 2014، ونددوا بما أسموه ممارسات نعتوها بأسوأ النعوت، وذكروا منها بالحرف مثلا:

-"إعادة إنتاج مظاهر الفساد بصيغ أخرى حيث التوظيفات المشبوهة لأقرباء أعضاء المكتب المسير للتعاضدية وجهات حزبية وموالين ... والتستر على اختلاسات بمبالغ ضخمة وتوظيف متقاعدين"؛

-"عدم احترام الضوابط القانونية والمساطر في إنتاج العلاجات الطبية خاصة التراخيص"؛

-"... مصادرة حق أعضاء المجلس الإداريفي الاطلاع على الوثائق والمراسلات والملفات من أجل اتخاذ القرار المناسب.."؛

-"الاختلالات التي تعرفها المرافق الاجتماعية للتعاضدية والتي تسجل نتائج سلبية في حساباتها السنوية." (هذه النقطة تنسف الضلع المالي المخصص لهذه الوحدات في مشروع ميزانية 2015 الذي ادعي أنه تمت المصادقة عليه ضمن المشروع الكلي للميزانية المذكورة).

سأكتفي بهذا القدر من الوثيقة المشار إليها أعلاه، لأمر إلى وثيقة ثانية نشرها، من ضمن وثائق أخرى، وعممها على نطاق واسع، عضو بالمكتب عبّر عن معارضته، علنا وكتابة، عبر رسائل موجهة لعدة أطراف حكومية ومالية وقضائية...

جاء في هذه الوثيقة المؤرخة في 13 أكتوبر 2014 ما يلي: "... وهو ما يعتبر تحديا وخرقا سافرا للمقتضيات القانونية وتحقيرا لقرارات المجلس الإداري الرامية إلى التصحيح والإصلاح ونبذ كل مظاهر الفساد، وتوجيهات سلطات الوصاية بشأن الحرص على التطبيق السليم للقانون..."، ليضيف صاحب هذه القنبلة، في ذات الرسالة: ".. لذلك فإنني أخبركم أنني سأقوم بمراسلة سلطات الوصاية في هذا الشأن وكذلك رئاسة الحكومة قبل  أن أتخذ الإجراءات القضائية اللازمة صونا لسمو القانون وحرصا مني على ضرورة فرض الاحترام التام للمساطر والمقتضيات القانونية".

ومن جهته وردا على هذه الاعترافات/ الاتهامات كال منتحل صفة الرئيس التهم والنعوت الاتهامية لخصومه داخل المكتب والإدارة وهدد وأرعد وأزبد، وذكر أمثلة عن الملفات التي سيحركها... و... قبل أن يصمت ويبلع لسانه وبياناته النارية، ليحصل الوئام حول المنافع الغامضة والخفية والدسمة... ويصدر بلاغا مخدوما، وتنشر صور عناق أخوي وتصفيقات وضحكات (تشمت في المنخرطين وذوي حقوقهم).

لكن الصفقة الغامضة انتصرت والريع التعاضدي جمع الأضداد وألّف بين المتعاركين، لأن جوهر النزاع كان بالتأكيد حول الحصص والوزيعة فقط، ولم يكن أبدا حول المبادئ والقيم النبيلة للتعاضد وخدمة المنخرط (الرقم الغائب في هذه المعادلة الانتهازية الجديدة)، وما كان لهذا العبث أن يقع ويتواصل، ولا للاستهتار بأموال المنخرطين أن يستمر، لولا صمت الحكومة وتواطؤ سلطات الوصاية الحكومية ممثلة أساسا في وزارتي التشغيل والمالية.

وهكذا يتبخر مع كل ذلك شعار محاربة الفساد، وتغرق التعاضدية في بركة سوء التدبير الآسنة والآخذة في الاتساع يوما عن يوم، علما أن روائح فسادها عمت الآفاق وكل البقاع بالرغم من المساحيق الكثيرة المستعملة لتجميل قبحها الفظيع.

وهكذا يتم إبرام الصفقة الجديدة لصلح مشبوه لتنضاف بذلك إلى الصفقات التي رصدها تقرير المفتشية العامة للمالية رقم 4946. فمن يراقب خبايا هذه الصفقة الجديدة وانعكاساتها الخطيرة على نبل العمل التعاضدي الذي سيذهب مجددا ضحية التحضير للانتخابات المقبلة للمناديب بنفس الصيغ المشبوهة حتى يستمر التحكم في هذه المؤسسة، وتسخيرها لأغراض شخصية ونفعية بعيدة كل البعد عما وضعه وتصوره وخطط له أولئك النبلاء الذين أدخلوا العمل التعاضدي إلى المجتمع المغربي قبل عشرات السنين.