أكد الدكتور محمد شهبي، أخصائي في جراحة العيون وتصحيح البصر، أن إصلاح القطاع الصحي في المغرب يتجاوز إمكانيات أي حكومة، مشدداً على ضرورة إحداث هيئة عليا مستقلة تعنى بتدبير المنظومة الصحية وفق رؤية طويلة الأمد تمتد لعشرين سنة. كما أشار إلى أن الخصاص المهول في الأطر الطبية يشكل جوهر الأزمة، داعياً إلى استقطاب الأطباء المغاربة بالخارج والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة مثل النموذج الكوبي.
+عاد النقاش من جديد حول القطاع الصحي مع الاحتجاجات الشبابية الأخيرة، فما الذي استجد في هذا القطاع حتى يحتل المراتب الأولى في مطالب هؤلاء الشباب، علماً أن أعطاب هذا القطاع لا تكاد تخفى على أحد؟
×القطاع الصحي لم يعرف أي تغيير منذ سنوات، والقضية تكمن في أن مشاكل هذا القطاع أكبر من أن تُحل من طرف أي حكومة، وهذا الأمر سبق أن قلته في مناسبات كثيرة، وذلك رغم بعض المجهودات. فالسياسة الصحية لابد أن تدخل في إطار سياسة السيادة، لأنه لا يمكن أن تقدم كل حكومة تصورها لإصلاح هذا القطاع، إذ من أجل جني ثمار أي إصلاح، لابد من القيام بعدة عوامل. فالأمر يتطلب وجود هيئة عليا للصحة تكون فوق الوزير، علماً أن ذلك ربما دستورياً غير ممكن، ولكن الصحة لا يمكن إصلاحها في فترة حكومية، فالأمر يتطلب مدة تفوق عشرين سنة، وهناك أمثلة متعددة في العالم.
+ما هي الأسس القوية التي يمكن الاعتماد عليها من أجل إصلاح حقيقي للقطاع الصحي في البلاد؟
×لابد أولاً من معرفة الأشياء التي يفتقدها القطاع الصحي، والأمور التي تم إنجازها، علما أننا لن نعيد اختراع العجلة كما يقول الفرنسيون، ولابد من احترام المعايير الدولية بخصوص عدد الأطباء. فهذا العدد وإن كان ناقصا مقارنة مع ما هو معمول به عالميا، فإنه يرجع إلى سنوات طويلة، وذلك رغم أن حكومة إدريس جطو تبنت برنامج عمل لزيادة عدد الأطباء بالمغرب، ولكن المشكل يكمن في تكوين الأطباء دون توفير أرضية لبقائهم في أرض الوطن، والأمر نفسه بالنسبة لكل الأطر الطبية. إن المعايير الدولية تتحدث عن طبيبين ونصف لكل ألف مواطن، وفي المغرب هناك أقل من طبيب واحد لكل ألف مواطن، وهذا الرقم بعيد جداً عما هو معمول به دوليا، وهو ما ينتج عنه خصاص يقدر بـ60 ألف طبيب، علما أن هناك عشرة آلاف طبيب في الخارج. ودائماً أقول: لماذا هناك قطاع صحي عام وخاص في المغرب في ظل غياب وفرة الأطباء؟ فهناك في المغرب 32 ألف طبيب في القطاعين، و70 في المائة من العمليات الجراحية تتم في القطاع الخاص، لأن هناك خللا في المستشفيات العمومية ومن الصعب معالجته.
+هناك من يؤكد على ضرورة مساهمة المصحات الخاصة في تكوين الأطباء، لأنه لا يعقل أن تستفيد هذه المصحات من أطباء تم تكوينهم من قبل الدولة؟
×قبل ذلك، لابد أن أؤكد أن مشاكل قطاع الصحة لا يمكن حلها حالياً، ففي آخر مجلس وزاري تم اتخاذ قرار بالزيادة في ميزانية القطاع، لكن هناك من ينتظر الكثير من هذا القرار، علماً أننا أمام جنين نطلب منه أن يشتغل، لأن المنظومة الصحية هشة. وحينما يكون وزير الصحة عاجزا عن حل المشكل، يتم ضرب على يد التلميذ المجتهد.
+هل تقصد في هذه الحالة المصحات الخاصة؟
×الأمر يتعلق بالقطاع الخاص بشكل عام، وليس المصحات فقط، وهنا لا أدافع عن القطاع الخاص أو العام، ولكن حينما يكون الخيار أمام المواطن بين القطاعين، فإنه سيختار القطاع الخاص. وما يحول بين العديد من المواطنين والمصحات الخاصة هو المشكل المالي، ومن المفروض أن يكون الخيار ناتجاً عن جودة الخدمات بين القطاعين. وللوصول إلى هذه الغاية، لابد من وضع خريطة صحية. ولا يجب أن ننسى أن بداية التغطية الصحية في المغرب كانت فقط عام 2006، وليس بشكل شامل، وحتى حالياً فإنها ليست شاملة. ففي فرنسا انطلقت التغطية الصحية خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945. كما يلزم مراجعة المرجعية الوطنية كل ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي لم يحدث، علماً أن العديد من المتغيرات وقعت في أسعار العمليات بعد كورونا، و"طبيب القطاع الخاص واخا تايضربو ليه يديه فهو قابل بهاذ التسعيرة". كما أن مسؤولية محاربة "النوار" تقع على الدولة، لأن مهمتي كطبيب هي تحصيل العلم، وفي أي قطاع هناك الصالح والطالح، ولابد من آليات للضبط. فحينما تكون خروقات، فمن المفروض أن تتم مساءلة الوزير. كما أن المصحات لم تستفد من أي دعم، ولا تحصل على الامتيازات التي تستفيد منها بعض القطاعات الأخرى.
+هناك من يؤكد على ضرورة تخفيض الضريبة على الأطباء، هل تتفق مع هذا الطرح؟
×حينما يتم الحديث عن القطاع الصحي، فإن المقارنة تكون مع ما يحدث في أوروبا، لأن المغرب ليس بعيدا عن القارة العجوز. وليس من مسؤولية الطبيب أنه جاء في زمن يعرف نقصا في عدد الأطباء، وأنه اختار القدوم إلى المغرب عوض البقاء في دولة التكوين. وأتمنى أن يتم جلب الأطباء المغاربة الموجودين في أوروبا كما وقع في كرة القدم، لأن النتائج المحصلة حاليا في هذه الرياضة ليست من التكوين المحلي.
+لكن هؤلاء الأطباء لابد من القيام بإجراءات لإغرائهم بالاشتغال في المغرب؟
×بالنسبة لي، المصحات لابد أن تؤدي الضريبة، ولكن من الضروري إعفاء أتعاب الطبيب من الضريبة، وتحديد المناطق ذات الأولوية بالاعتماد على الخريطة الصحية، خاصة أن الظرفية الحالية ملائمة بسبب ما يقع في أوروبا نتيجة الاضطهادات والمضايقات وصعود اليمين المتطرف.
+لماذا لا يتم استلهام التجارب الناجحة في بعض الدول لإنقاذ القطاع الصحي في البلاد، كما حصل في دولة كوبا مثلاً؟
×لقد عاشت كوبا في عام 1959 نفس الحالة المغربية، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في القضاء على هذا البلد، وقامت بإفراغه من نخبه، الأمر الذي جعل كاسترو يحدث مدارس للطب، وفي جانب كل مدرسة تم إحداث كلية هندسة لكي يكون هناك تجانس، وكان الهدف الأساسي هو الابتكار. وحالياً هناك في كوبا ما بين 8 و9 أطباء لكل ألف مواطن، وهو أكبر عدد في العالم، وفي المرتبة الثانية تأتي البرتغال التي تتوفر على 6 أطباء لكل ألف مواطن، ويتم تخصيص ميزانية تقدر بـ26 مليار أورو في هذا البلد الذي لا يتعدى سكانه عشرة ملايين نسمة. أما ميزانية القطاع الصحي المغربي، فحتى مع الزيادة الأخيرة ستصل إلى أربعة مليارات أورو، علماً أن عدد المغاربة هو 38 مليون نسمة. والمشكل يكمن بشكل كبير في عدد الأطر البشرية، علماً أن أكثر من 70 في المائة من ميزانية القطاع الصحي في المغرب تُصرف على البنية التحتية والتسيير، وبهذه الطريقة لن نحصل على أي نتيجة. فلا بد أن تكون هناك هيئة مستقلة تسعى إلى وضع برنامج واضح، لأن الطريق لا يزال طويلاً، ولابد من الاستعانة ببعض الأطباء الأجانب مثل الكوبيين، لأنهم يتحدثون الإسبانية، وفي المنطقة الشمالية والجنوبية من المغرب يعرف العديد من سكانها هذه اللغة. كما أنه لابد من الاستعانة بالأطباء المغاربة في الخارج مع ضرورة استفادتهم من خصم ضريبي. وهناك أيضاً ضرورة عقد اتفاقيات مع القطاع الخاص، وحالياً هناك أرضية يتم تهيئتها والمتعلقة بالمجموعات الطبية التي سيتم إنجازها، والتي ستكون على شكل وزارة صحة جهوية، ولكن لابد من إحداث تنسيق بينها.