Sunday 5 October 2025
كتاب الرأي

سعيد التمسماني: “ميثاق الشباب”.. تعاقد جديد يعيد السياسة إلى قلب انشغالات الأجيال الصاعدة

سعيد التمسماني: “ميثاق الشباب”.. تعاقد جديد يعيد السياسة إلى قلب انشغالات الأجيال الصاعدة سعيد التمسماني
نزار بركة: “الإشكال في المغرب ليس اقتصادياً فقط، بل قيمياً بالأساس”

في مشهد سياسي يتسم بفتور العلاقة بين الشباب والسياسة، اختار حزب الاستقلال أن يفتح ورشاً غير مسبوق بإطلاقه، في 11 يناير الماضي، برنامج “ميثاق الشباب”. مبادرة وُصفت بأنها الأولى من نوعها من حيث حجم المشاركة والتنوع الجغرافي والاجتماعي، حيث انخرط آلاف الشباب من مختلف جهات المملكة في صياغة خلاصات تقدم صورة دقيقة عن أولويات هذه الفئة ورؤيتها لمستقبل البلاد.
 
أزمة ثقة… ووعي بالحلول
كشفت الاستشارة الوطنية أن أزمة الثقة في المؤسسات المنتخبة والأحزاب السياسية ما تزال قائمة ومتجذّرة، وهو ما يعكس سنوات من الوعود المؤجلة وضعف آليات التأطير والتواصل. لكن اللافت أن الشباب لم ينغمسوا في خطاب الرفض العدمي، بل عبّروا عن مطالب عملية وواقعية: فرص شغل تحفظ الكرامة، تعليم جيد، خدمات صحية في المتناول، وبنيات تحتية تواكب حاجيات الحياة اليومية.
 
لقاء الرباط… إشارات سياسية واضحة
هذه الخلاصات لم تبقَ حبيسة الورق، بل عُرضت في لقاء تواصلي بالمقر العام للحزب بالرباط، حضرته قيادات من اللجنة التنفيذية والشبيبة الاستقلالية، إلى جانب ممثلين عن تنظيمات شبابية. في هذا اللقاء، أقرّ الأمين العام نزار بركة بأن الأداء الحكومي لم يرقَ إلى انتظارات الشباب، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، معتبراً أن الانتقادات الموجهة في هذا الباب “مشروعة ومفهومة”.
وأضاف بركة أن حزبه كان منذ البداية واضحاً حين شدد على صعوبة تحقيق وعد خلق مليون منصب شغل في ظرف وجيز، لكنه في المقابل رفض أي مساس بالمكتسبات الديمقراطية التي اعتبرها ثمرة مسار نضالي طويل. وحذّر من أن الدعوات إلى إلغاء المؤسسات التمثيلية تعني عملياً نسف التجربة الديمقراطية، مؤكداً أن الرهان اليوم هو استعادة الثقة عبر مقاربات مسؤولة تضع الشباب في قلب القرار.
 
القيم… قبل الاقتصاد
في مداخلة لافتة، أوضح بركة أن التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب ليس اقتصادياً فقط بل قيمياً في العمق، داعياً إلى ترسيخ ثقافة الجدية، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ولم يتردد في إعلان استعداده لتقديم حصيلته كوزير للتجهيز والماء أمام الرأي العام، باعتبار أن “العمل العمومي لا يستقيم إلا بالوضوح والمساءلة”.
 
الاعتدال كقاعدة مشتركة
إلى جانب المطالب الاجتماعية، كشفت الاستشارة عن ميل عام نحو الاعتدال والمحافظة الرصينة، ما يعكس تمسك الشباب بخصوصيات الهوية المغربية وفي الوقت نفسه انفتاحهم على قيم المشاركة والحداثة. هذه المعادلة تمنح صانعي القرار أرضية متوازنة لبناء سياسات عمومية تستند إلى مرجعيات المجتمع وتستجيب لمتطلبات العصر.
 
من المتفرج إلى الشريك
الأهم أن “ميثاق الشباب” لم يتوقف عند التشخيص، بل فتح أفقاً جديداً يقوم على المحاسبة، تجديد النخب، وتوسيع دائرة المشاركة في القرار العمومي. إنها دعوة صريحة لتحويل الشباب من “مراقب متذمّر” إلى “فاعل شريك”، شرط أن تقابلها مؤسسات قادرة على الإنصات والفعل، ونخب تتحلى بالكفاءة والشفافية.
 
نحو تعاقد اجتماعي جديد
ما يجعل “ميثاق الشباب” مبادرة تتجاوز حدود الاستشارة التقنية، هو أنه يضع لبنة أولى لتصور جديد للعلاقة بين الدولة والأجيال الصاعدة. فالأمر لا يتعلق فقط بجرد انتظارات الشباب، بل بتأسيس لرؤية تجعلهم شركاء فعليين في صياغة السياسات العمومية، وتفتح أمامهم مسارات للمشاركة المؤسسية الإيجابية، بما يحوّل طاقتهم من رصيد معطّل إلى قوة اقتراحية وبنّاءة في خدمة المشروع التنموي الوطني.
 
الخلاصة
من هنا، لا يبدو الميثاق مجرد مبادرة حزبية ظرفية، بل هو نواة لتعاقد اجتماعي جديد يضع الشباب في صلب السياسات العمومية ويعيد الاعتبار لجدوى السياسة. في وقت تتسع فيه فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الوساطة، تبرز أهمية هذه الخطوة كمنعطف يمكن أن يحوّل الأزمة إلى فرصة، والسياسة من عبء إلى أمل.