يحذر خالد ملوك، أستاذ وباحث في الشأن المغربي – الإسباني من خطاب حزب "فوكس" اليميني المتشدد في اسبانيا والذي يدعو إلى "حرس حدودي أوروبي" ويركز على "كبح الهجرة غير الشرعية "، مشيرا بأن هذا الأخير لا يملك أدوات للإجهاز على الاتفاقيات القائمة بين المغرب واسبانيا، خاصة أن الحزبان الاشتراكي والشعبي اللذان يشكلان الحكومة، يريان في المغرب "ركيزة استقرار متوسطية "، ويؤكدان على أن أي تراجع عن التعاون مع المغرب سيعني عودة القوارب ومئات الملايين من الخسائر الاقتصادية.
وأشار محاورنا أن النقاش الإسباني اليوم لم يعد حول إلغاء الاتفاقات، بل حول تسريع منح التأشيرات وتحسين شروط العودة الطوعية، دون المساس بصندوق التعاون المغربي الإسباني أو بروتوكولات الهجرة الموقعة سنة 2022.
كما يتطرق الى مناوشات الجزائر التي تعتبر منافسا إقليميا للمغرب يسعى أحيانا إلى التأثير على مسار التقارب المغربي-الإسباني، سواء من خلال المناورات الدبلوماسية داخل الاتحاد الأوروبي أو عبر تصعيد التوترات في ملفات إقليمية حساسة، غير أن هذه المحاولات – بحسب ملوك - لن تؤثر بشكل جوهري على الشراكة المغربية الإسبانية، التي تقوم على أسس متينة من المصالح المشتركة والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي والثقافي.
ما الذي دفع العلاقات المغربية الإسبانية إلى الانتقال من حافة التوتر إلى آفاق التعاون الاستراتيجي؟
عرفت العلاقات المغربية الإسبانية تحولا جوهريا في السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من أزمة دبلوماسية خانقة تفجرت عقب استقبال زعيم جبهة البوليساريو للعلاج سرا بإحدى المدن الإسبانية، إلى أفق واعد يقوم على التعاون الاستراتيجي وتعزيز الثقة المتبادلة. ويعزى ذلك بالأساس إلى ثلاث مؤشرات متلاحقة. أولها القرار التاريخي الذي اتخذته مدريد في أبريل 2022 بالاعتراف الرسمي بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية كحل واقعي وذي مصداقية، وهو ما أعاد الثقة المتبادلة بين القصر الملكي «لا مونكلوا»، وأغلق فصلا من الشكوك الدبلوماسية. ثانيها توقيع «الإعلان المشترك» في فبراير 2024، الذي توج زيارة رئيس الحكومة بيدرو سانتشيث ورفع التعاون إلى مستوى «الشراكة الاستثنائية»، كما أعاد تفعيل اللجنة العليا المشتركة بعد توقف دام أربع سنوات. وتسارع التقارب مع تدشين خط بحري جديد للبضائع بين طنجة والجزيرة الخضراء، ومع الاتفاق الثلاثي مع البرتغال لاستضافة مونديال 2030، بما يؤكد تحول الجوار إلى منصة عمل مشتركة نحو إفريقيا وأوروبا.
كيف انعكست العلاقات المغربية الإسبانية المتجددة على الأمن والاقتصاد في البلدين؟
على الصعيد الأمني، بات التنسيق الاستخباراتي بين المغرب وإسبانيا منظما ويجري بشكل يومي، ما أتاح تنفيذ عمليات مشتركة ناجحة ضد خلايا إرهابية وشبكات تهريب عابرة للحدود، خاصة عبر مضيق جبل طارق الذي يشكل نقطة حساسة في مراقبة التحركات غير المشروعة. وفي ملف الهجرة، انتقل الطرفان من منطق التوتر أحيانا إلى منطق التكامل والتنسيق، وذلك من خلال ربط أنظمة المراقبة البحرية بين جهازي خفر السواحل في البلدين، وهو ما ساعد بشكل ملموس على الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإسبانية خلال عام 2023. أما اقتصاديا، فقد حافظت إسبانيا على موقعها كشريك تجاري ثان للمغرب، حيث بلغ حجم التبادل السنوي بين الجانبين ما يقارب 20 مليار دولار، كما تنشط نحو 3500 شركة إسبانية في السوق المغربية، موفرة ما يقارب 120 ألف فرصة عمل لفائدة المغاربة. وفي مجال الطاقة، يعمل البلدان على تطوير مشاريع كبرى للطاقات المتجددة، تشمل الطاقة الشمسية والريحية لتعزيز مزيج الطاقات النظيفة، إضافة إلى محطات للهيدروجين الأخضر في مدينتي العيون والداخلة.
هل يمكن لاستضافة مونديال 2030 المشترك أن تشكل رافعة نوعية للدبلوماسية الرياضية بين المغرب وإسبانيا؟
تعكس قدرة المغرب وإسبانيا على تنظيم حدث بهذا الحجم التزامهما المؤسسي وكفاءتهما التنظيمية، كما تؤكدان على الرصيد الثقافي المشترك وقيم الانفتاح التي تجمعهما، بما يعزز صورتهما الدولية كشريكين قادرين على إدارة مشاريع عالمية. وتتجلى أهمية هذه الاستضافة أيضا في إطلاق مبادرات رياضية مشتركة، تشمل برامج تطوير كرة القدم للشباب، وتبادل الخبرات بين الأندية والمدارس الكروية. في هذا الإطار، يغدو المونديال أداة للدبلوماسية الناعمة تعمق الروابط الإنسانية بين المغرب وإسبانيا، وتدعم الشراكة الاستراتيجية بينهما على أساس الإنجاز المشترك، مع إبراز الموقع الجغرافي لكلا البلدين كبوابة للتواصل الحضاري بين ضفتي المتوسط لا كحاجز يفصل بينهما. كما ستوفر هذه التجربة فرصة لتعزيز الصورة الدولية للمغرب وإسبانيا كفاعلين قادرين على الجمع بين الطموح الرياضي والتخطيط الاستراتيجي، بما يرسخ الشراكة متعددة الأبعاد بين البلدين.
إلى أي مدى يمكن للدبلوماسية الثقافية والتعليمية أن تسهم في ترسيخ التفاهم المتبادل بين المغرب وإسبانيا؟
تعد الدبلوماسية الثقافية والتعليمية إحدى الركائز الأساسية لتعميق الفهم المتبادل وتوطيد أواصر الصداقة على المدى الطويل بين المغرب وإسبانيا، إذ تتجاوز الأبعاد الاقتصادية والأمنية لتؤسس لفضاء إنساني قائم على القيم المشتركة. وتتجسد آلياتها في برامج التبادل الثقافي، من مهرجانات ومعارض وإنتاجات فنية وسينمائية مشتركة، تعكس ثراء الإرث الحضاري والتاريخي الذي يربط البلدين، وفي مقدمه الموروث الأندلسي. أما على الصعيد التعليمي، فتبرز أهمية تبادل الطلاب والأساتذة بين الجامعات والمعاهد، وتشجيع تعليم اللغتين العربية والإسبانية في كلا البلدين، إلى جانب دور المؤسسات الثقافية مثل معهد «سرفانتيس» في المغرب والمعاهد العربية في إسبانيا. ويسهم هذا التفاعل المباشر، خاصة بين فئات الشباب، في تفكيك الصور النمطية وبناء معرفة أعمق بالآخر وتعزيز الاحترام المتبادل، بما يجعل الشراكة الاستراتيجية أكثر صلابة وقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
هل يمكن القول إن العلاقة المغربية الإسبانية محصنة ضد التحديات الداخلية والإقليمية؟
داخليا في إسبانيا، يطل حزب «فوكس» اليميني المتشدد بخطاب يدعو إلى «حرس حدودي أوروبي» ويركز على «كبح الهجرة غير الشرعية»، لكنه يبقى في المعارضة، ولا يملك أدوات إجهاز الاتفاقيات القائمة. أما الحزبان الاشتراكي والشعبي اللذان يشكلان الحكومة، فيريان في المغرب «ركيزة استقرار متوسطية»، ويؤكدان على أن أي تراجع عن التعاون سيعني عودة القوارب ومئات الملايين من الخسائر الاقتصادية. وعليه، فإن النقاش الإسباني اليوم لم يعد حول إلغاء الاتفاقات، بل حول تسريع منح التأشيرات وتحسين شروط العودة الطوعية، دون المساس بصندوق التعاون المغربي الإسباني أو بروتوكولات الهجرة الموقعة سنة 2022. وتعتبر الجزائر أيضا منافسا إقليميا للمغرب يسعى أحيانا إلى التأثير على مسار التقارب المغربي-الإسباني، سواء من خلال المناورات الدبلوماسية داخل الاتحاد الأوروبي أو عبر تصعيد التوترات في ملفات إقليمية حساسة. غير أن هذه المحاولات لا تؤثر بشكل جوهري على الشراكة المغربية الإسبانية، التي تقوم على أسس متينة من المصالح المشتركة والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي والثقافي.