يعيش المغرب على وقع تحولات دقيقة ومتشعبة تعكس عمق الأزمات الهيكلية التي طالت مختلف مجالات الحياة العامة: سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا. فمنذ عقود وفئات واسعة من المجتمع المغربي، لاسيما الشباب تعيش ظروفا صعبة ومتأزمة نتيجة تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. البطالة وانسداد الأفق والإحباط وقلة الفرص هي العناوين الكبرى التي تلخص معاناة الشباب المغربي، وهو ما دفع بالكثيرين إلى اختيار الهجرة غير الشرعية بحثا عن الفردوس المفقود من المدن والبوادي على السواء، في حين اختار الباقي الاحتجاج أملا في وضع أحسن.
في ظل هذا الواقع، ارتفعت وتيرة التوتر الاجتماعي مدفوعة بتضخم المطالب الاجتماعية في ظل اختلالات هيكلية مزمنة تعاني منها المالية العمومية. وتبدو الدولة اليوم غير قادرة على الاستجابة لتلك المطالب، أو على توفير خدمات أساسية في مجالات حيوية كالصحة والتعليم والنقل والشغل.
فالوضع الكارثي للتعليم والصحة وسوء التوزيع، أفقد المغاربة الأمل في الحكومات، وأجهز على أحلام الملايين من المغاربة وعمق الفوارق الطبقية وملأ التراب المغربي بالقنابل البشرية الموقوتة.
لكن، وعلى الرغم من هذا الواقع المتشائم، فإن المغرب ليس محكوما بالبقاء في هذه الدائرة المغلقة. فهناك حلول ممكنة وقابلة للتطبيق إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الواضحة. أول هذه الحلول هو إصلاح الإدارة الحكومية ضرورة لا تحتمل التأجيل. فالتغيير في الأشخاص والوجوه يجب أن يرافقه تغيير في التفكير والمنهجية، ومحاربة الفساد والمحسوبية، وحسن إدارة الموارد.
فلا يمكن في القرن الواحد والعشرين الاستمرار في إدارة الدولة بعقليات تقليدية، بينما العالم من حولنا يتغير بسرعة مذهلة. فالنخب المستفيدة من الوضع الحالي تقايض صمتها بريع زائل وتتحاشى قول الحقيقة والقيام بوظائفها في التأطير والتوعية، بما يجعلها متجاوزة ومتخلفة عن الواقع. والسبب هو غياب الكفاءة أو النزاهة أو الاثنين معا.
وعليه، المطلوب في الوقت الراهن نخب اقتصادية وسياسية تتمتع بروح المسئولية والولاء للوطن والاستقامة، بعيدا عن الريع والتبعية العمياء.
وفي التجارب العالمية دروس ملهمة. فسنغافورة، التي كانت في يوم من الأيام مجرد جزيرة فقيرة بلا موارد، أصبحت اليوم من أغنى دول العالم بفضل السياسة الحكيمة التي ركزت على التعليم، والاستثمار، وتبسيط القوانين. وكذلك كوريا الجنوبية، التي خرجت من حرب مدمرة، لكنها نهضت من جديد بالعلم والمعرفة والصناعة والتصدير. حتى رواندا، التي عانت من إبادة جماعية، تمكنت من أن تصبح من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا من خلال التعليم ومحاربة الفساد وبناء بنية تحتية حديثة.
إذن، الطريق ليس مستحيلا. المغرب قادر على الخروج من الهشاشة إذا ما توفرت الإرادة والإدارة والجرأة.) لا تنقصه العقول ولا الموارد)، بل يحتاج إلى قرار حاسم بتحويل مسار الاقتصاد من الريعية إلى الكفاءة والاستحقاق. الإصلاح ممكن، لكنه يتطلب تضحيات وشجاعة، وإيمانًا بأن المغرب يستحق وضعا اجتماعيا سليما يليق بشعبه وتاريخه.