السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد جحفة: ميشال غييو ينبه لانحطاط الفرنسية وحتمية موتها الآزف

عبد المجيد جحفة: ميشال غييو ينبه لانحطاط الفرنسية وحتمية موتها الآزف

انعقدت نهاية شهر نونبر 2014 بالسنغال القمةُ الخامسة عشرة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية. هذه القمة، التي تنعقد كل سنتين، هي أعلى هيئة فرنكوفونية. وتحدد التوجهات التي على الفرنكوفونية أن تسير فيها لضمان إشعاعها في العالم. وتحضيرا لانعقاد هذه القمة، كتب ميشيل غيو M. Guillou (رئيس الشبكة الدولية لكراسي سنغور للفرنكوفونية) مقالا توجيهيا يدق فيه ناقوس الخطر وينبه فيه إلى الانحطاط الذي تعاني منه الفرنسية، وإلى تراجع حظوتها بشكل مقلق على المستوى العالمي. يتحدث غيو هنا عن انتحار اللغة الفرنسية وأفولها، وحتمية الموت الآزف

نُشر المقال بجريدة "ليزيكو" (18 غشت 2014). وفيما يلي، ترجمة لبعض ما جاء فيه، دون تعليق.

"مع اقتراب القمة الخامسة عشرة للفرنكوفونية، التي ستنعقد في نهاية شهر نونبر بالعاصمة السينغالية دكار، تعبر شخصيات من كل الآفاق عن تشاؤمها وتشكيكها في إمكان استمرار الفرنكوفونية باعتبارها فضاء جيوسياسيا، واستمرار اللغة الفرنسية باعتبارها لغة دولية، ويدقون ناقوس الخطر ويحذَّرون. وهذا يشكل قطيعة مع المقاربة الرسمية، التي ترى أن الفرنكوفونية واللغة الفرنسية لا تعانيان من مشكل البقاء. أخيرا، هناك من يتحدث عن الأفول، بل حتى عن خطر موت الفرنكوفونية أو اللغة الفرنسية.

نتيجة لهيمنة العالم الأنجلوسكسوني، فالعالم، بالنسبة للكثيرين، سيسيطر عليه نمط الحياة الأمريكية. التأحيد والأنجليزية يتوطدان بشكل مكثف. والنخب الفرنسية، التي تؤثر في الكثيرين، ترى أن استمرار الفرنسية ليس أولوية. لقد تم التخلي عن التفاخر بالتكلم بالفرنسية، وعن الطموح في تثمين قيمها. إننا ننقلب ناحية التماثل. [...]. هكذا تنشئ فرنسا جامعة فرنسية بالفيتنام باللغة الأنجليزية.

فرنسا ليس لها مطمح فرنكوفوني. الرابطة الفرنكوفونية تنفصم. ثمة تراجع يلوح نازعا المصداقية عن الحجة الديموغرافية التي تتحدث عما يناهز 700 مليون من الأفارقة الناطقين بالفرنسية سنة 2050. الأفارقة يتساءلون، بالفعل، هل كان اختيارهم اختيارا ملائما؛ فهم يحمِّلون الاستعمارَ مسؤولية جعلهم يتكلمون لغة لم تَعُد تبدو نافعة لهم. بدأنا نسمَع الانتقادات. ينبغي الاحتراز من التفاؤل الساذج الذي يربط مستقبل الفرنكوفونية بالعامل الديموغرافي، مع العلم أن استخدام اللغة الفرنسية يتراجع في قطاعات المستقبل الواعدة، مما يزرع الشك مجدَّدا. كل شيء يُسمى بالأنجليزية. إن الأمر يتعلق بانتحار لغوي.

هذا الأفول تـكبحه شيئا ما بعض المكتسبات وبعض العوامل التاريخية. إننا نشهد إذن موتا بطيئا، ولكنه يتسارع مع العولمة وغياب سياسات قوية للمقاومة. إذا كان من الممكن إيقاف هذا الانحدار، فإن الإحياء يقتضي مجهودا أكبر بكثير.

إذا كان علينا الاستمرار في الترحيب بأولئك الذين يشغَلهم المشروع الفرنكوفوني، فإنه ينبغي أيضا التمسك بإقامة تحالف للبلدان الفرنكوفونية التي تستخدم الفرنسية لغةً رسمية أو لغةَ تعليم أو لغة استعمال في الحياة، فهذه البلدان هي التي تضفي التماسك على هذا الفضاء الفرنكوفوني الحق، حيث يتم العمل باستعمال الفرنسية. بدون هذا التجمع الوثيق، لا يمكن أن توجد فرنكوفونية نافعة تلبي حاجيات متكلمي الفرنسية، وتُنَمّي إحساسا قويا بالانتماء. لقد تم الاهتمام بالتوسيع على حساب التعميق الذي يربك المجموع. إذا لم يوجد ما يجمع، وما هو مشترَك، لا يمكن أن توجد عشيرة فرنكوفونية. ولكن هل تسهم مؤسسات الفرنكوفونية إسهاما ناجعا في هذا الإطار؟ إن أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار في التحضير لمؤتمر دكار من شأنه توجيه اختيار الكاتب العام المقبل.

أما البرامج التي ينبغي وضعها في إطار "العيش المشترك"، فقد تم تحديد الكثير منها. وتخص كل الميادين. هناك قطاع مهيمن حتى أنه صار مقدَّما على كل شيء: تدريس الفرنسية وتكوين مدرِّسي الفرنسية. إذا تفتَّـتَت الفرنسية، فماذا سيبقى؟ ولكن البون شاسع جدا بين الحاجة والعرض. وهذه الوضعية تُزعزع القاعدةَ الفرنكوفونية. ينبغي تقليص هذا الفارق بواسطة مجهود تشاركي ومكثف. وتظل مشكلة الفيزا الفرنكوفونية قائمة. ينبغي الإسراع بتقديم جواب على هذه المسألة لأنه لا يمكن أن تقع تبادلات متميزة بدون تسهيلات لمرور الطلبة والباحثين ومسؤولي المقاولات.

لقد قام الرئيس عبدو ضيوف (الكاتب العام للمنظمة الدولية للفرنكوفونية قبل انعقاد الدورة 15) بعمل هائل. وعلى رؤساء الدول والحكومات أن يعبروا الآن عما يريدونه. ولكن بدون حماسة جديدة، سيحدث الأسوأ: موت يأتي رويدا وببطء، ولكنه موت آت لا محالة.