Thursday 2 October 2025
مجتمع

أية علاقة بين جيل 212Z  وصرخة اتقوا الله في حزبكم، اتقوا الله في وطنكم !

أية علاقة بين جيل 212Z  وصرخة اتقوا الله في حزبكم، اتقوا الله في وطنكم ! الراحل عبد الرحمان اليوسفي ( يمينا) ومشهد من أحداث الشغب الأخيرة
تذكير في علاقة بسياق اليوم
قبل 35 سنة ( 8 يناير 1992) انتقل إلى عفو الله ورحمته سي عبد الرحيم بوعبيد، مهندس استراتيجية النضال الديمقراطي ببلادنا . بمقبرة الشهداء بالرباط ، وفي كلمة الوداع الأخير ، خاطب رفيقه المجاهد سي عبد الرحمان اليوسف الحضور المهيب الذي سار في الجنازة ، بكلمة نقتطف منها الفقرة التالية " إذا كانت بلادنا طيلة الثلاثين سنة المنصرمة رغم ما عرفته من مشاكل مزمنة وأزمات حادة ، لم تعصف بها كوارث قاتلة ، فالفضل يرجع إلى حد كبير إلى رصانة عبد الرحيم بوعبيد وتبصره واتزانه ورصيده المعنوي لدى إخوانه ولدى المواطنين كافة ..."

بعد ثلاث سنوات على قيادة المجاهد اليوسفي سفينة أقوى حزب معارض في تاريخ المغرب، و في مرحلة دقيقة من تاريخ بلادنا اتسمت بالتحضير على نار هادئة للصفقة التاريخية التي سيدير فيها المغاربة ظهورهم/ن لزمن الجمر والرصاص ، سيخاطب المجاهد اليوسفي رحمه الله شبيبة حزبه في اجتماع للجنة المركزية " اتقوا الله في حزبكم ، اتقوا الله في وطنكم " .
 
سياق هذا النبش
يتابع المغاربة هذه الأيام كيف أن الشارع المغربي عاد لينبض بالحياة من جديد ، بعد أن توهمت لوبيات بأن عملية انكماش هذا الشارع ذاهبة في التوسع ، مما سيسمح لها بالتمادي في تنزيل سياسات عمومية عنوانها العريض ليس غير الاجهاز على كل ما هو اجتماعي ، بعد أن وفروا لذلك البيئة السياسية والقانونية لتمرير مخططاتهم . لكن سقطت من حسابات هؤلاء الحكمة الشعبية التي تقول " لي كيحسب بوحدو كيشيط لو" .
على هامش الهجوم المذكور على كل ما هو اجتماعي بتسليعه ، حيث الفاتورة الغالية يؤدي ثمنها الشباب ، ولأن العالم أضحى قرية صغيرة ، بل في قبضة يد كل شخص وخصوصا الشباب ، الذي أمام العطالة التي تجعله يشعر بأن مساحة كرامته تضيق ، خرجت النسخة المغربية لجيل Z  للوجود بشعارات تطالب بالحق في التمتع بالصحة والتعليم ، وتضييق الخناق على الفساد الذي سبق وجاء في تقرير لمؤسسة للحكامة بأنه يُضيع على المغرب ما مقداره 50 مليار درهم سنويا !

 
ولأن آذان صناع القرار ببلادنا صماء، وبعد أن وصل الاحتقان مداه، لم يجد شباب  ... جيل Z 212 خيارا أمامه ، غير الاستثمار الجيد للتكنولوجيا الجديدة لإطلاق التعبئة في صفوفه لإسماع صوته أكثر ، فكان الحاضن هو الشارع يومي 27 و 28 شتنبر الأخير .
 
كل المؤشرات كانت تفيد بأن الاحتجاج الذي دعت له "حركة" جيل Z أطره شعار السلمية أولا وأخيرا ، لكن وكما تابع الجميع من خلال الصور ،و الفيديوهات ، و التصريحات التي نقلتها على المباشر منصات مواقع التواصل الاجتماعي ، أكدت بما لا يدع مجالا للشك بأن التعامل مع هذه الاحتجاجات التي كانت في البداية جد محدودة بمناطق المغرب ، كان عشوائيا ومستفزا ، فكان أن حدث ما حدث من تطورات أشعلت فتيلة الغضب بدرجة الانفلات الذي تابعه المغاربة وأياديهم على قلوبهم. انفلات كان بالإمكان تجنبه لو استمعت الحكومة لزخات معاناة الشباب ، وتواصلت معهم بلغة بعيدة عن لغة الخشب التي استعملتها أحزاب الأغلبية في بلاغها بعد " أن وقع الفاس في الراس". كان كذلك بالإمكان حماية الحركة الاحتجاجية من كل اختراق الذي أدى إلى الانزلاق الذي لا يمكن لكل عاقل أن يزكيه ، لأنه في نهاية المطاف يزيغ بآلية الاحتجاج عن دورها في حل المشاكل ، ليصبح  الالتجاء إلى تفعيلها جزء من المشكل في حد ذاته . كان كذلك بالامكان تجنب ما حدث لو أن أحزابا بعينها ،والمنظمات الشبابية وباقي الإطارات التي تلعب دور الوساطة ، لم تبدد رأسمالها الذي به نجحت في السياقة في أخطر منعرجات مغرب ما بعد الجهاد الأصغر .
 
 صرخة وشهادة اليوسفي وشباب أية علاقة؟
لم يأت استحضارنا أعلاه لشهادة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي في رفيقه الزعيم عبد الرحيم بوعبيد ، ولا صرخته في ضيافة شباب حزبه، مجرد تذكير ما دامت الذكرى تنفع المؤمنين . بل إن سياق الأحداث المحدودة التي عاشتها بلادنا هذه الأيام ، والفئة الاجتماعية التي أطلقت شرارة الاحتجاج بعد أن وصل " الموس العظم ". هو ما حفزنا على ذلك ، وعززه تعريف الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل - فراسو متيران -  لفئة الشباب ، حيث قال " الشباب هو المستقبل الذي أمامنا".  

 
 الشهادة والصرخة تبرزُ من خلالهما الأدوار الكبرى التي تلعبها الأحزاب في مسيرة الدول والشعوب ،بغض النظر عن تخندقها يمينا أو يسارا أو وسطا . آثار قوة الأحزاب يلمسها العادي والبادي في قوة الدول ، والعكس صحيح . بحيث كلما ترهلت الأحزاب، وفقد خطابها وممارسة قادتها ، الجاذبية، وأصبح الانخراط في صفوفها يحفز عليه البحث عن المنافع ، وكلما ارتفع منسوب عدم الثقة في مصداقيتها في عيون المواطنات والمواطنين ، فإن ذلك لامحالة سيشكل كوة من الكوات التي منها يتسلل اليأس الذي يخنق الأنفاس ، فتحدث القلاقل  الاجتماعية التي قد تنحو نحو المجهول لا قدر الله ، في غياب شبه تام لوسيط يحظى بالثقة .
 
آخر الاستطلاعات تقول بأن 98 في 100 من المغاربة فقدوا ثقتهم في  الأحزاب المغربية ، و 96 في 100 سحبت ثقتها من المؤسسة التشريعية ! أرقام جد مخيفة، ولا تبشر بالخير إن لم يتم تدارك الأمر بمبادرات جريئة تعيد فتح فجوات من الأمل أمام المواطنات والمواطنين الذين يشكل شباب جي Z شريحة واسعة منها ، لتعزيز الاستقرار الذي تنعم به بلادنا. إن تعزيز الجبهة الداخلية على كل المستويات هو اسْمَنْت الاستقرار، ومن يراهن على غير ذلك فإنه يعيش خارج التاريخ.
 
 الواقع الكارثي للأحزاب المغربية ومن يدور في فلكها من تنظيمات ليس وليد اليوم ، بل هو نتيجة لاستراتيجية طُبخت في غرف مظلمة ، ووجدت من يمد الجسور أمامها من داخل صفوف هذه الأحزاب التي باع قادتها استقلاليتها . ولم تقف هذه الاستراتيجية عند هذا الحد بل اختارت تحطيم القدوة أمام الأجيال الجديدة . وهكذا لاحظنا كيف أن العديد من الرموز الوطنية التي التحمت في محطات تاريخية مع المؤسسة الملكية ، وربطت استقلال البلاد بعودة الملك الشرعي محمد الخامس وأسرته للعرش ، و انخرطت في معركة الجهاد الأكبر معززة صفوفها بأجيال جديدة من المناضلات والمناضلين اقتنعوا بوعي باستراتيجية النضال الديمقراطي  ،(كيف) تم تسليط عليهم كميات ضخمة من المداد للنيل من لمعان تاريخهم النضالي ، حتى يخلو الجو أمام صناع الاستراتيجية المذكورة ليعيثوا في البلاد فسادا. لكنهم لم يضعوا نصب أعينهم بأن الشباب بكل بقاع العالم، بطبعه متمرد على الماضي ، ورافض للغموض والتضليل .
 
استخلاص الدرس
ما نتج عن الحركة الاحتجاجية السلمية التي دعا لها فئة من شباب اليوم اختاروا أن تحمل يافطة التعريف بهم/ن " جيZ212" ، لم يحدث فجأة ، بل جاء نتاج تراكمات ضخمة من خيبات الأمل . إنها فرصة تاريخية فتحها هؤلاء الشباب أمام أعين الجميع وبلادنا تستعد لاستحقاقات كبرى ، يتقدمها الاستحقاق الديمقراطي/ الانتخابي الذي انطلق التحضير له . فرصة من أجل اطلاق ورش سياسات عمومية تنبض بكرامة المواطن(ة) وتنتصر لها .

 
العودة للهدوء مسؤوليتنا جميعا ، فلنعمل على ذلك كل من موقعه الخاص. ، وعلى شبابنا أن يعي جيدا بأن حركتهم المدنية والراقية التي خرجت عن السيطرة في بعض المناطق ، وهذا يحدث في كل مناطق العالم ، لكنه مرفوض من طرف كل العقلاء ،  سيكون لها ما بعدها على البلاد والعباد .