لائحة طويلة من مصطلحات تُـفـيـد الاغـتـراب والمعانـاة ومُشتقـاتهـا من الـتهمـيش واللامبـالاة، بـات المهاجر يـحفـظها ويُـرددهـا في كـل لـقـاء وحيـن.. ثـم نجـده يحـزم حـقـائـبه ويـلعـن "الـبـابُـورْ" الـذي أتـى بـه أول مـرة إلى دول المهجـر.. مُـرددا ما أحْـلى الـرجـوع إلـيك... لمعـانـقـة الأحبـاب ولـشـم ريـحـة الـتُـراب.. تـاركـا وراءه كـل تـلك الخـرجات الإعـلامية للمسـؤولين عـن الهجـرة وشعـارات الاهـتمام بـأدق تـفاصيل حيـاته واعتـرافهـم المكتـوب والمسموع بـدور الـجالية الـريادي في الاقتصاد وحرص الجـالـية أيضا على الإحسـان بـذوي الـقُـربى من الأهـالـي بالمغرب مُـساهـمين في عمليـة الارتـقـاء الاجتماعي.. حـتى أصبح الـعديد من المهاجرين يعتبـرون ذلك الاعتـراف هـو مُـجـرد مُـخـدر (بـنـج ) مـوضعي فـقـط...
فـلم يـعـد المهاجر يهـتـم بالـكلام المعـسول ويــرُد عـلى اللامبالاة باللامبالاة.. مـا أحلى الـرجوع إلـيك يـا وطني، رغم أنـنا نـعـيش آلام الهجـرة وآخـرون يعـيشـون بآمــال المهاجـرين ويـطلقـون بـرامـج إستـراتيجية ومُنـدمجـة مـن وراء مكـاتـب مُـكــيفـة... الله يـزيـدْهُــومْ...
حديـث الطُــرْشان..
يـبـدو أن مُـصطلح الحوار لـدى مسؤولي الهجرة يُـجانـِب مفهومه الـكـوني، حيث أصدر المهاجرون الـعديد من الـبيانـات والمقتـرحات والمٌلـتمسات المكتـوبة وفي عـدة مـواضيع لـم تعـرف طـريقـا للنقـاش الـجاد والـحوار الـواضح، لتـتحـول الـكثير من الاجتماعات إلى لـقـاءات مُجاملـة وصـور للـذكرى وتبـادل بطاقـات الـزيارة... وحـاقـد وفــوْضوي و"فـيه الـفْـهـامـات" مـن يُـحاول الاقـتراب من دائـرة الموضوعية أو الاقتـراح خلال تلك الاجتماعات.. والنتيجة أنه سيُحـذف مـن لائحـة الـمدعـويـن مُسـتـقبلا لأنه أحــرج سعــادة الـمسؤول الكـبير..
أكـثر من مـرة نُـحس أنـنا في "حــديـث الـطُـرشـان"، حيث لا أحد يـفهـم ما يـقـوله الآخـر.. فالـمسؤولين مـاضون في مخططاتهـم الإستراتيجية ودراسـاتهم الـمعمقة بعـد تـكليف مكاتب الــدراسة وليس مع الجالية الحاملـة لـتجـربة ميـدانـية وانـتظارات مـوضوعية.. أمـا الجـالـية، وبـدون كـلل، فـتـتـقـدم بالاقـتراحـات مُـرددة "الـلِـي عْـلِـينـا حْـنـا درْنـــاهْ...".
الهُـويـة مُقـابل التنمية الاقتصادية...
العـلاقـة بين الجـالـيـة ومؤسسات الهجـرة يسـودها الكـثير من الـفتـور وفـرض سياسة الأمـر الـواقـع، وتُـمثل فيها الجالية الـطرف الضعيف، أما المؤسسات فــتملك الـقـرار والــوصايــة..
دعــونا نتساءل بكل صراحة، بماذا تُـفـاوض أو تُـقـايض مـؤسسات الهجـرة معْـشـر المهاجرين..؟
رجـوعـا إلى الـفصليـْن 16 و163 دستور 2011 نجـدُهُـما يـتـضمنان كـلمات سحـرية من قـبـيل "..الـوشـائـج الإنسـانية، تـأمين الحفاظ على عـلاقات متـينة، صيـانة هـويـتهـم الـوطنية...".
وبـناء عـليه، فإن كل ما تـتعهـد بـه المؤسسات الـوصية هـو المحافـظة وصيانة الهـوية الـوطنية للجـالية ولا شيء غيـر ذلك.. فإلى أي حـد توفـقـت هـذه المؤسسات في تحقيـق تـلك الـغـايـات الـدستـورية..؟ وماذا هـي فـاعلـة تجـاه أجيـال تتكلـم اللغـة الـدارجة المغـربية فقـط، والكثـيـر منهم يجـهـل كـتـابة اسـمه بـلغـتـه العـربية ..؟ وماذا عن قُــدْرتِـهـم على إبـرام وفـهــم الـعقـود بالمغرب إذا اسـتـثـنيْـنـا الـناطـقيـن بالـفـرنسيـة..؟ وإلى أي حــد نجحت في تــرتيب الشــأن الـديني وســط إيـديـولـوجيات نجحت في الـقـذف بأبـنـاء المهاجريـن إلى منـاطـق الـتـوتـر..؟؟
وبالمقابل فإن الـشطر الـثاني لـنفس الـفصليْـن يتـضمن "الـواجب المنزلي" للـمهاجـر، وهو المساهمة في الـتنـمية الاقـتصادية الـمستدامة تُـجاه وطنه المغرب.. فهل يعني هـذا أن الهــوية في مـقـابـل الـتـنـمـية...؟
استنـتاجـات تـؤكـدهـا تـصريحات وزيـر الجالية في شهـر نونبر بـدار المغـرب بباريس، حيث دعـا من جـديـد إلى تشجيـع الـجالية للاستثمار بالمغرب حيث تــم تسخيـر آلـيـات مالـية وقنـوات الـدعـم... ومُـبشـرا بـالمقابـل بأن السيـاسة الثـقـافـية للجالية هي قـيـد الـدرس والإعــداد..
وهـذا ما يُـفسـر أيـضا إعــداد المُـشـاركة الـسيـاسـية على نــار هـادئـة ودون أخــذ مُـقتـرحات وملتمـسات الـجالية على محْمل الـجــد، والخاصة بالـتقـطيع الانتخـابي وعـدد الـمقاعـد وآلــيات الـتنـفيـذ وإشكـالـية ضمان الـحياد الـقنصلي فـي هـذا الـدخول السيـاسي.. مع الـعلم بــوجـود فــئة عـريضة من الجـالية تُـمثـل "الــرقـم الأسـود" تُـنـادي بالـتأجـيل في انتظـار الـوصول للـنُـضج.. وتـستـدل بمُشـاركـة الـجـالية الـخجـولة في الاستفتـاء الـدستوري الأخيـر.. أكـثـر مـن هــذا، فـهـي تُـطـالب باستـفتـاء وسـط الـجـالية للـتـقـرير بيـن المُـشاركة دابـا أو مـاشي دابـا.. ورغـم كـل هـذا فـقـد سُجِـلت هــرْولــة لـبعض الأحـزاب لتـأسيس فـروع افـتراضية وتـثْـبِـيت مُمثـلـيهــا مُـعتمديـن في حالات عـديـدة على الـمبدأ الـخالـد الـذكـر.. "بــاك صاحْـبـي".
عاشقة حتى الثمالة...
لعشـرات السنوات سهـرت عـدة مؤسسات على "عملية عُـبـور"، وخصصت لها إمكانيات هـامة مادية وبشرية ولـوجيستيكية.. لـن نـدخـل في تـفاضيل الـشق المادي المتعـلق بالأربـاح وخاصة عمليات الـنقـل البحـري... لكـننا نُـريـد شـرح إشـارة الـملايين من المهاجرين عنـد كـل عمـلية عُـبـور.. فـرغـم كـل الـمعيقـات والمشاكل، فإنها تُـصر على رسم صـورة جماعية بـقـطعهـا لآلاف الكيلومترات على أنها جـالـية مـواطنة لا تـهُـمُهـا أرقــام مكـتب الـصرف، وفي أكبـر كُـورال عـفـوي تُــردد: ما أحْـلى الــرجُـوع إلـيْـك يـا وطـنـي... وتعتبـر كل ذلك الاحتجاج والانـتـقــاد هـو مجـرد عِـتــاب ولـيس شيئا آخـر. ولأنهـا عـاشـقـة هـذا الــوطن حتى الـثمـالـة، فـإنها تـريـده الأجـمـل والأحـسـن والأنـظـف...
فـتعلُـق الجالية بـوطنها هـو أكـثـر من انـفعال عـاطفي وأكـبر من أي تعهـدات مكتـوبـة أو وُعـود إعـلامية، بـل تـفاعـل اجـتماعي وإنسـاني وفـطـرة رضعهـا من ثــدي الـوطـن.. لكـل ذلك راجْعِـيـن يــا هـــوى..