Wednesday 24 September 2025
كتاب الرأي

جورج حايك: منطق حزب الله.. لن أسلّم السلاح فلتدمّره اسرائيل!

جورج حايك: منطق حزب الله.. لن أسلّم السلاح فلتدمّره اسرائيل! جورج حايك
ليس هناك كلام أوضح مما قاله الموفد الديبلوماسي الأميركي إلى الشرق الأوسط توم براك أول من أمس، إذ أعلن عن ثلاثة أمور أساسية خطيرة: أولاً، “الحزب” يعيد ترميم قوّته العسكرية، ثانياً الحكومة اللبنانية لا تفعل شيئاً سوى الكلام، ثالثاً إسرائيل قد تُقدِم على استكمال الحرب للقضاء على ما تبقّى من سلاح. 

لا شكّ في أن كلام براك لم يأتِ من العدم، بل يستند إلى عاملين: الأول هو معلومات استخباراتية أميركية تؤكّد أن “الحزب” يعيد تأهيل بناه التحتية العسكرية ويعيّن قيادات جديدة، أمّا العامل الثاني فهو خيبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من المسؤولين اللبنانيين الذين أُتيحت لهم الفرصة لإنهاء سلاح “الحزب” بعد مقتل حسن نصرالله، لكنهم ما زالوا مترددين، لا يجرؤون على نزعه خوفاً من حرب أهلية تكاد أن تصبح وهماً يستخدمه “الحزب” لتخويف السلطة. 

لكن رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع كان قد استبق كلام براك بموقف واضح مشابه إلى حدّ كبير منذ ستة أيام، أكّد فيه: “إن ما حصل في هذين الشهرين يطرح علامات استفهام كبرى حول مسار الدولة الجديدة: فمن التصريحات الواضحة والصريحة لمختلف مسؤولي حزب الله، والتي وبكل وقاحة تضع قرارات الحكومة اللبنانية في سلّة المهملات، إلى إعلان “الحزب” جهاراً أنه يعيد بناء قوته العسكرية بالرغم من قرارات الحكومة، وصولاً إلى الاعتداء على الأملاك العامة وقوات حفظ السلام… ذلك كلّه يستوجب من السلطة أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين باتوا يتوقون للعيش في ظلّ دولة فعلية تفرض وجودها على الأرض، كما تفعل أي دولة طبيعية سوية”. 

للأسف، كل هذه التنبيهات لا يبدو أن “الحزب” يُصغي إليها، بل لا يدير أذنيه سوى للنظام الإيراني الذي يبلغه توجيهاته، وهو يعمل بموجبها بصرف النظر عن مصالح لبنان. 
في المقابل، لم تعد شكاوى المسؤولين اللبنانيين من انتهاكات إسرائيل تجد آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي عموماً والإدارة الأميركية خصوصاً، إذ إن الدول المحسوبة صديقة للبنان تعتبر “الحزب” منظمة إرهابية مرتبطة بالنظام الإيراني، وتتجمّع لديها معلومات بأن “الحزب” يعيد تأهيل نفسه مجدداً. ويؤكّد ذلك اعترافات نائب الأمين العام لـ”الحزب” نعيم قاسم الذي يتباهى بذلك ويستدرج إسرائيل للاعتداء على لبنان نتيجة ترميم بناه العسكرية، ولا سيما أن إسرائيل لم تعد متساهلة وتعتبر أن “الحزب” يخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي يمنع إعادة بناء مواقعه وأنفاقه ومخازنه، وبالتالي تؤيّد معظم الدول الصديقة ما تفعله إسرائيل في لبنان وتعتبره من حقوقها. 

في رأي كثيرين من المراقبين أن الحكومة اللبنانية “سَكِرَت” بالقرار الذي اتخذته في 5 غشت 2025، وكان قراراً غير مسبوق إذ أعلنت فيه أن الجيش سيحتكر السلاح وسيبدأ بنزع سلاح “الحزب”، داعيةً في الوقت نفسه إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل. وجاءت الجلسة الحكومية في 5 شتنبر 2025 لتضفي أجواء ضبابية على مصداقية القرار السابق، إذ تمّت الموافقة على خطة الجيش اللبناني لسحب السلاح، وتُركت المهلة الزمنية غامضة، ما جعل “الحزب” يروّج في إعلامه أنه جمّد القرار الحكومي وحقق انتصاراً عليه! 

هذه الوضعية أقلقت الشعب اللبناني التائق إلى دولة قوية في الدرجة الأولى، وأقلقت المجتمع الدولي ولا سيما الإدارة الأميركية في الدرجة الثانية، مع وصول معلومات من مصادر عدّة بأن “الحزب” بدأ في إعادة بناء هيكله القيادي من خلال تعيين قادة جدد. بل هناك معلومات تشير إلى أنه أعاد إنتاج طائرات مسيّرة لتقليل اعتماده على الواردات الإيرانية، ونجح في تأمين أموال لاستئناف دفع رواتب المقاتلين والمؤيدين. 

لا شك في أن “الحزب” لم ينتهِ على نحو كامل بفعل الضربات الإسرائيلية، وتشير تقديرات غربية إلى أن هناك نحو 75 ألف عنصر نظامي واحتياطي في صفوفه، وهو يحتفظ بما بين 20 و25 ألف صاروخ وقذيفة. ولا يزال لديه مواقع في جنوب لبنان ووادي البقاع تستهدفها إسرائيل بين الحين والآخر. كل استعدادات “الحزب” تتناقض مع خطة الجيش اللبناني التي قد تستغرق 15 شهراً لتنفيذها بالكامل. ففي المرحلة الأولى سيصادر الجيش الأسلحة في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني ويقيم نقاط تفتيش بحلول نهاية نونبر المقبل. 

وتعتبر مصادر ديبلوماسية غربية أن الجدول الزمني يسمح لـ”الحزب” بإعادة تنظيم صفوفه وتسليحه وتقويض جهود الجيش اللبناني لنزع سلاحه. 

أمام هذا الواقع المأزوم، تزداد احتمالات تدخّل إسرائيل عسكرياً لإنهاء ما بدأت به ضد “حزب الله” ولو بكلفة عالية. ومواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأخيرة تؤكد ذلك بما لا يقبل الشك، إذ أوضح أنه سيستكمل الحرب ضد محور إيران في السنة المقبلة، وليس معروفاً ما إذا كان يقصد السنة اليهودية أو الميلادية، لكن في الحالتين لن يفضي الوضع اللبناني الحالي إلا إلى حرب أوسع تشنّها إسرائيل ضد “الحزب” وهدفها القضاء عليه عسكرياً بالكامل وتوقيع اتفاقية سلام مع لبنان، رغم عدم وجود إجماع لبناني على ذلك، بل هناك إجماع على العودة إلى اتفاقية الهدنة لعام 1949، وهذا ما يُعتبر واقعياً. 

لكن من الآن حتى نهاية سنة 2025، دخل لبنان مرحلة خطرة كان اللبنانيون يعتقدون أنهم تجاوزوها، إلا أن تعنّت “الحزب” ورفضه تسليم سلاحه جعلا لبنان على خط النار مجدداً. وشرارة الحرب المقبلة متوافرة بقوة، وأهمها: إعادة “الحزب” ترميم نفسه عسكرياً، استمرار إسرائيل في احتلالها لخمس نقاط استراتيجية في الجنوب، وتهديدات نتنياهو الصريحة باستكمال حربه ضد المحور الإيراني.
 
جورج حايك/ كاتب لبناني