في اطار الجامعة القروية محمد خير الدين الدورة 11، احتضنت جماعة أملن، تنظيم محاضرة حول القروانية : مقاربات متقاطعة، وذلك في إطار فعاليات الدورة 17 لفستيفال تيفاوين ، شارك في جلسة افتتاحيتها كل من الحسين الإحسيني رئيس جمعية فستيفال تيفاوين، عبد الله غازي برلماني عن اقليم تيزنيت، ياسر شهمات نائب رئيس المجلس الاقليمي لتيزنيت، عبد الرحمان حجي رئيس جماعة أملن، فيما سير الجلسة محمد الكارح عضو جمعية فيستيفال تيفاوين .
وتطرق المتدخلون الى أن فيستيفال تيفاوين بتافراوت اختار منذ مدة الاهتمام بالفنون القروية ، انسجاما مع المحيط السوسيو ـ ثقافي والطبيعي لمجال أملن ، في قلب الأطلس الصغير ، المحتضن لفعاليات المهرجان، وقد تطور هذا الاهتمام فاستقر الأمر هذه السنة 2025 على جعل موضوع القروانية ، التي اقترح لها مقابلا لكلمة الفرنسية " Ruralite " ، موضوع للتفكير العلمي ضمن فعاليات الجامعة القروية محمد خير الدين للدورة 17 للفيستيفال.
هذا وقد تناولت المحاضرة كذلك موضوع " قروانية الهوامش المعاصرة "، شارك فيها محمد مهدي " باحث في السوسيولوجيا " فيما سيرها الحسين بويعقوبي دكتور باحث بكلية اللغات والفنون والعلوم الانسانية جامعة ابن زهر ايت ملول "، تم التطرق فيها للقصد ب " القروانية " ، وهي نمط حياة تتميز به المجالات التي توصف بالقروية " أو الريفية أو البدوية " وتكون موضوع تمثلاث جماعية عن المجال والانسان، وهي بالضرورة مختلفة عن المجال الحضري، وان كان المجالان، خاصة بعد التحولات الاخيرة، قد يتقاطعان احيانا فينتج عنه ومن خصوصيات " Arlaud et al 2005" مجال جديد يصعب تصنيفه ضمن هذا النمط او ذلك المجال القروي كونه قليل الكثافة السكانية ويغلب عليه الطابع الغابوي ويفتقر للبنيات التحتية التي تميز المجال الحضري ، ويمتهن سكانه اساسا الانشطة الفلاحية والزراعية والرعوية وتربية الماشية ، كما يحافظون على خصوصيات معمارية ولغوية وثقافية وعلاقة حاصة بالزمن والطقس ثم رؤية للعالم ، داخل بنيات ومؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية وتوصف ب " التقليدية " حيث يذوب فيها الفرد في الجماعة.
إلى ذلك، تناولت الجلسة العلمية الأولى موضوع " العالم القروي في المغرب ، التاريخ والتحولات و استراتيجيات التنمية "، شارك فيها أحمد بومزكو باحث في التاريخ ، خاليد قوبع باحث في التنمية الترابية ، بوفوس عبد اللطيف باحث في الجغرافيا ، قام بتسييرها محمد بنيدير أستاذ باحث.
وقارب المشاركون في أشغال الندوة الى أن المغرب كان إلى حدود أواسط القرن العشرين يغلب عليه المجال القروي الذي لعب ادوارا محورية في مختلف مراحل تاريخ المغرب، ثم بدأ هذا الطابع في التراجع بعد تأثيرات التواجد الاجنبي خلال فترة الحماية الفرنسية ـ الاسبانية " 1912ـ 1956 "وما بعدها.
وتأكد ذلك مع بداية القرن الواحد والعشرين حيث اظهرت نتائج الاحصاء العام للسكن والسكنى لسنة 2024 ان حوالي 23 مليون نسمة من المغاربة يسكنون المجال الحضري مقابل حوالي 14 مليون نسمة في الوسط القروي، وهذا التوجه عالمي ، فالتنبؤات تشير منذ بداية هذا القرن الى امكانية وصول ساكنة المجالات الحضرية في العالم سنة 2030 حوالي 60 في المائة .
ولهذا التحول اسباب كثيرة ، اقتصادية اساسا لكن ايضا تاريخية وسياسية ومناخية ، وفي الوقت نفسه له نتائج على مستويات عدة ، ومنها ما يسميه الباحثون " ترييف المدن " مقابل تمدين الارياف .
ويسعى المنضمون من هذه الندوة لمساءلة الاشكالات المعاصرة المرتبطة بالقروانية ، من خلال البحث عن جواب لسؤال محوري هو " ماذا بقي من القروانية في المغرب ؟" ثم تليه اسئلة اخرى من قبيل ما هي خصوصيات المجالات القروية في المغرب ؟ وما هي طبيعة الديناميات التي تعتمل فيها ؟ وهل يمكن ان تكون القروانية معطى يمكن استثماره في استراتيجيات التنمية ؟ وهل هناك سياسات خاصة بهذا المجال ، لنطرح في الاخير سؤال " هل يمكن الحديث يوما ما عن نهاية القروانية ؟ أم أن التحولات التي تعرفها هذه المجالات ستعطي اشكالا جديدة للقروانية ، تتجاوز النموذج التقليدي وتعمل على ادماج التحولات والديناميات المعاصرة خاصة الحضرية والاقتصادية والاجتماعية.
يذكر ان هذه الجلسات العلمية تأتي في اطار الفعاليات الثقافية والفكرية لفيستيفال تيفاوين باعتبارها فضاء للتلاقي وتعميق التواصل بين النخب الفكرية والاكاديمية والفعاليات الجمعوية والمنتخبين ودراسة مجال القرية بما يعج به من تاريخ وغنى تراثي وطبيعي .
