من حيث المبدأ، الصَّيف هو فُسحة زمنية مُقتطعة من سيولة زمنية شاقة ومليئة بالأشغال الخانقة والأجندات المكتظة...ولحظة هروب فردي أو جماعي من بيئة عمل خانقة، ومن روتين معيش يومي مندور بالالتزامات والواجبات والاكراهات...في شأن ذلك، انتبهت المجتمعات الصناعية الحديثة إلى صدى العطلة الصيفية، وراهنت عليها لتحرير الطاقات البشرية من الحمولات السلبية ودفعها إلى تجديد النَّفس واستعادة الروح وترميم الإنهيارات النفسية والجسدية...من حيث الواقع، الصَّيف هو فرصة مُنتهزَة من طرف لوبيات القطاع السياحي يؤدي وظيفة تضخيم الأرصدة البنكية وإنعاش سوق الغش والاحتيال على المستهلكين، في المطاعم والفنادق والمقاهي ووسائل النقل...مُعظم الشكايات التي رُصدت في هذا الاتجاه تتعلق بتسجيل حالات تسمم غذائي، وممارسة التدليس والنصب والاحتيال في عرض الخدمات السياحية، وقد نزيد عنها، مشاكل صغيرة تصاحب أصحاب قطاع مواقف السيارات وأصحاب كراء المظلات الشمسية وغيرها...
جَرت العادة حينما يَحلُّ فصل الصيف أن تعترض المواطن المغربي صعوبات كثيرة في قضاء عطلته الصيفية. لم يعد الأمر يحيل على واقع مخصوص في الزمن والمكان، بل على قاعدة في تدبير الزمن الصيفي عند المغاربة...تبدأ هذه الصعوبات في تحديد الوِجهة السياحية أولا، تم تنتقل إلى عملية الحجز وتدبير العمليات المرافقة لذلك ثانيا. طبعا، هناك تحليلات سوسيولوجية تعمد إلى قراءة الوضع من زاوية التحليل الذي ينتهي إلى الإقرار بوجود تفاوت بين الطلب والعرض ينجم عنه ارتفاع الأسعار ونقص في الخدمات...لكن الأمر أعمق من أن يُحصر في هذا التحليل، لأنه يُعَرِّي عن حقيقة البنية الاقتصادية الذي تدفع نحو انتاج وغرس سلوكات وممارسات تخدم واقع الاستفحاش الغلائي والتطبيع معه دون أي نضال مدني تجاهه...يحدث الأمر، في بداية الدخول المدرسي مع رسوم التسجيل والأدوات المدرسية، وينتقل إلى شهر رمضان مع غلاء المواد الاستهلاكية، ويصل إلى أضاحي عيد الأضحى، وينتهي عند العطلة الصيفية وغيرها من المناسبات... الأمر يُشبه سِلسلة زمنية متكررة باستمرار؛ سلسلة خانقة يُمرَّرُ من خلالها المِشعل من مفترس إلى آخر في شكل دورة اقتصادية تناوبية.
بحلول فصل الصيف، يزيد الطلب الاجتماعي على كراء الشقق والإقامات والفنادق، وعلى الخدمات الغذائية من مطاعم ومقاهي وفضاءات ترفيهية... هنا، تنتهز هذه الفضاءات الفرصة لرفع الأثمنة تحت مبرر ادعائي يُكرر عبارة، وهو الأمر الذي يخلق نوعا من الامتعاض والنفور من بعض المناطق السياحية. علينا أن ننتبه إلى أن كثير من المناطق ذات الجذب السياحي فقدت بريقها، فقط لأنها ترسخت بها ممارسات رأسمالية جشعة وسلوكات مافيوزية...في مقابل ذلك، هناك توجه آخر، عند بعض المغاربة يتجلى في الانفتاح على وِجهات سياحية بتكلفة مادية مقبولة مثل تركيا وإندونيسيا واسبانيا...من جانب آخر، يُ عاب على المشهد، غياب مراقبة دقيقة وصارمة لجودة الخدمات المقدمة للزبناء، ومراقبة مطابقتها للمعايير المطلوبة...يستدعي الأمر ترافعا مدنيا وحقوقيا وسياسيا يعمل على توحيد الجهود من أجل تفعيل عمل جمعيات حماية المستهلك، وفتح رقم أخضر للتبليغ عن كل الممارسات الاقتصادية الانتهازية، مع ضرورة التصريح بالأسعار ضمانا للشفافية والوضوح والتنافسية...يجب أن يستهدف الترافع أيضا ضرورة خلق بِنية تنظيمية يُعهَد لها بتتبع ومراقبة النشاط السياحي الداخلي. للأسف، وزارة السياحة لا تتوفر على هيكل تنظيمي يسمح لها بمواكبة الاختلالات العميقة التي تواجه القطاع السياحي، وبتفعيل المساطر القانونية وضمان جودة الخدمات السياحية المقدمة...فضلا عن تنويع العرض السياحي وجعله متناسبا مع القدرات الشرائية لمجموع المواطنين.
يتوجّب في هذه الواجهة دعم قدرات المجتمع المدني من أجل تعزيز المشاركة التّدخلية في الجانب الذي يخص الحضور المكثف الذي يحمي حقوق المستهلكين والمرتفقين من جهة، ودعم الانخراط في التدبير مع وزارة السياحة بشكل تشاركي من جهة ثانية، فضلا عن تعزيز المكتب الوطني للسلامة الصحية والمكاتب الصحية الجماعية بموارد بشرية مُؤهلة لتتبع الاختلالات الكبرى في ظل عزم البلد على احتضان تظاهرات عالمية ستجعل من المملكة بوابة سياحية مفتوحة للجميع.