الاثنين 25 نوفمبر 2024
فن وثقافة

الباحث الوهابي يتقصى الأصول العربية في لهجة جبالة بالشمال المغربي

الباحث الوهابي يتقصى الأصول العربية في لهجة جبالة بالشمال المغربي

بتأطير من نقابة الشرفاء العلميين بالمغرب تم يوم السبت 22 نونبر 2014 بطنجة تقديم وتوقيع كتاب: "فصل في اللسانيات التاريخية والأصول العربية الفصيحة للهجات قبائل جبالة بالشمال المغربي في ضوء علمي التأثيل والدلالة، بني عروس نموذجا"، للباحث المغربي في علم اللسانيات والثقافة الشعبية الأستاذ عبد اللطيف الوهابي، في حفل تداول فيه الكلمة كل من الأساتذة الباحثين محمد المسعودي ومحمد سعيد الصمدي ومحمد نافع العشيري والأستاذ أسامة الزكاري. وقد سلط المتدخلون الضوء على أهمية هذا الإنتاج العلمي ومكانته الرفيعة بين الدراسات اللسانية ومنهجية البحث التي اعتمدها والآفاق التي يفتحها في مجال الدراسات اللسانية واللهجية بالخصوص.

وقد أجمع جل المتدخلين في البداية على أن الكتاب عبارة عن دراسة أكاديمية هي الأولى من نوعها في المغرب والوطن العربي لموضوع اللهجات، هذه الظاهرة اللغوية المعقدة. الأستاذ الزكاري اعتبر الكتاب أهم دراسة أنجزت حول لهجة اجبالة، منذ فترة ما قبل الاستعمار حيث لم تكن الدراسات آنداك سوى تحضيرا للأرضية الاستعمارية، كذلك كان الأمر بالنسبة للدراسات التي أنجزت في عهد الاستعمار والتي بدورها لم تتحل بالموضوعية مثلها مثل سابقاتها. وبذلك تكون دراسة الأستاذ الوهابي أول دراسة لسانية على الإطلاق التي جمعت لهجة جبالة وأجابت على العديد من الأسئلة التي بقيت بلا أجوبة في جل الدراسات السابقة.. وأشار الزكاري إلى أهمية هذا العمل الجبار وخصوصا في شقه التطبيقي، فقد ضم الكتاب معجما غنيا ونادرا لهذه اللهجة المغربية الشمالية. مبرزا القيمة العلمية لهذا العمل وما يمكن أن يشكل للباحثين مستقبلا من أرضية أساسية في البحث اللساني، مؤكدا على كون صاحب العمل قد انتهى إلى خلاصات لا بد على الدرس الجامعي أن يبدأ منها.

ومن جهته اعتبر الدكتور المسعودي أن مداخلته ليست سوى قراءة أولية، حيث كشف عن آليات البحث اللساني التي اعتمدها الباحث في دراسته، وأبرز أهمية الاعتماد على المنهج التاريخي الدياكروني الذي يسعى إلى البحث في جذور اللهجة وتلمس التغيرات التي لحقتها. وهو ما جعل الدراسة محاولة لتأصيل إحدى اللهجات المغربية وتجميعها والتعريف بأصولها. مشيرا إلى أن صاحب الدراسة قد توسل بالأدوات المنهجية للدراسات اللسانية ورد اللهجة إلى أصلها الفصيح، عبر حفر أركيولوجي قاده إلى ربط اللهجة الجبلية بأصولها من اللهجات في الدول العربية. وقد أشار المسعودي إلى كون الباحث قد اهتدى إلى أسباب الفوارق بين اللهجات التي تعود إلى اختلاف القبائل والأقوام واختلاف الدول المستعمرة التي وطأت أرض المغرب. وكشف عن التساؤلات الكبرى التي طرحتها الدراسة، أهمها كيف أن أقصى شمال المغرب يتكلم لهجة موحدة. مبرزا الخطوات التي سلكها الباحث لتتبع مسار هذه اللهجة من خلال معطيات تاريخية وجغرافية ليصل إلى منبتها في الشرق العربي. ليخلص إلى نتيجة مفادها أن اللهجة  الجبلية هي عربية سوماتية نفازوية بالإضافة إلى العنصر الأندلسي.

فين حين اعتبر الدكتور الصمدي أن اللقاء ليس سوى لحظة احتفاء بهذا العمل، معتبرا إياه مرجعا لا غنى عنه في مجال البحث اللساني ودراسة اللهجات. مؤكدا أن الكتاب يحتاج لأكثر من قراءة متأنية ومتخصصة. وقد استحضر الدكتور المسعودي جملة من الدراسات التي أنجزها مغاربة في خمسينيات القرن الماضي وأجرى مقارنة بينها وبين الكتاب محط التقديم  ليخلص إلى ما تشكله الدراسة من جدة منقطعة النظير، مشيرا في الآن نفسه إلى تلك الأهمية من خلال فهرس الكتاب الذي يبرز أن الباحث قد اشتغل على مكتبة كبيرة في الكتابات اللسانية شرقا وغربا.

الدكتور محمد العربي العشيري استهل مداخلته بتوطئة تاريخية أبرز فيها تطور علم اللسانيات الحديث بدءا باللسانيات المقارنة واللسانيات التاريخية التي تعتمد المنهج الدياكروني وصولا إلى اللسانيات السانكرونية. معتبرا الكتاب دراسة شاملة لعلم اللغة ولهجة جبالة بالخصوص وتشكل منعطفا كبيرا في الدراسات اللغوية. موضحا أن الباحث لم يكتف بالتنظير فقط، بل سعى إلى إعادة إحياء كلمات فقدت أصلها، اعتمادا على منهجية صارمة وعلى عمل دؤوب. وبذلك استطاع أن يكشف عن عوامل ظهور اللهجات والكشف عن أصولها ومجالات تداولها بكل شمولية ودقة. موضحا أن سبب اعتماد الباحث المنهج الدياكروني مرده  السعي  إلى الرجوع بمفردات اللهجة إلى أصولها العربية الفصيحة.. اعتمادا على علم التأثيل، أي التأصيل والرجوع بالكلمة إلى أصولها ومنابعها، وعلى علم الدلالة على اعتبار أن العديد من المفردات تغيرت معانيها واستعملت استعمالا مجازيا.

من جانبه قال الأستاذ الوهابي ردا على المداخلات: أن يكون الكتاب مرجعا أساسيا في البحث اللساني بالمغرب فهذا شرف لا نستطيع ادعاءه، وإن كنا نعتقد جازمين أنه محاولة جادة لاختراق جدار الصمت السميك الذي ظل يطبق على حقل البحث اللساني بالجامعة المغربية وخصوصا ما يتعلق بالبحث اللهجي. وكشف الباحث عن الصعوبات التي واجهته في جميع مراحل البحث.. وختم قوله بوجوب التصدي للدعوة التي تقول أن لا علاقة للهجة باللغة العربية الفصيحة.

وتجدر الإشارة أن الكتاب صدر عن منشورات سليكي أخوين، في طبعة أنيقة من الحجم الكبير في 393 صفحة، وهو يحتوي عل قسم نظري وقسم تطبيقي جمع فيه الباحث قاموسا غنيا للهجة جبالة وأصولها العربية الأمر الذي يكشف عن مجهود جبار شبهه البعض بذاك العمل الذي قام به اللغويون في عصر التدوين.