Friday 9 May 2025
كتاب الرأي

سعيد عاتيق: جماعة الهراويبن بين غياب المبادرة وضمور الرؤية 

سعيد عاتيق: جماعة الهراويبن بين غياب المبادرة وضمور الرؤية  سعيد عاتيق
في فلسفة اللامركزية، تُعد المجالس الجماعية ركيزة أساسية في هندسة التنمية المحلية، ورافعة لتجويد حياة المواطن في نطاق ترابها. غير أن هذا المبدأ الدستوري، سرعان ما يتحول إلى شعار أجوف حين يغيب الفعل وتغيب الرؤية، كما هو الحال في جماعة الهراويين.
 
أربع سنوات مرت من عمر المجلس الحالي، دون أن تلوح في الأفق بوادر مشروع تنموي حقيقي، أو مبادرات نوعية ترفع منسوب الأمل لدى الساكنة. فلا تعزز النقل العمومي بحافلات جديدة، ولا استُكملت أوراش إعادة هيكلة الهراويين القديمة، ولا فتحت أبواب المؤسسات الأمنية المبرمجة، في وقت تعاني فيه مدينة العمران من بنية تحتية متآكلة وتصدعات مزمنة وكثير من التعثرات التي لازالت تفرمل عجلات التنمية المنشودة .
 
هذا التعثر، لا يمكن فصله عن هشاشة المكتب المسير، الذي وُلد مرتبكاً، وظل يعيش على وقع التصدعات السياسية والخلافات الداخلية. لقد أُجهضت آلية القرار قبل أن تكتمل، وتكلّست عضلات التنمية في لحظة كان يُفترض فيها أن تتقوى وتتحرّك. أما الشرايين، فقد انقبضت أمام أعين سكان يترقبون بصيص تغيير.
 
في مقابل هذا الجمود، تسير عجلة عمالة الإقليم بسرعة لافتة، حيث تكاد تنال النصيب الأكبر من النقط المعروضة في دورات المجلس. والمفارقة أن الجماعة صارت، في أحيان كثيرة، مجرّد قناة تمرير ، دون أن يكون لها صوت مستقل أو مبادرة ذاتية تنبع من واقعها المحلي بناء على انتظارات الساكنة ومتطلبات المنطقة. 
ولعل واقع حال المجلس أجهض كل المحاولات والمبادرات حتى ماتت آليات الإجتهاد والإبداع وطرح الأفكار. 
 
وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل المجالس الجماعية وجدت فقط لتزكية ما يُنزل عليها من فوق إن كان لابد منه ؟ أم أنها موازاة مع ذلك من باب التعاون في إطار  خلق شراكات فهي مؤسسات منتخبة تملك صلاحية الاجتهاد والابتكار، في إطار قانوني يكفل لها هامش المبادرة والتأثير؟
 
أمام عجز المجلس عن الفعل، أضحى اللجوء إلى رفع الملتمسات لعامل الإقليم أسلوباً بديلاً، يوحي وكأن الجماعة تعاني من حالة "سفه سياسي"، أو كأنها غير مؤهلة للترافع وطرق الأبواب من موقع الفاعل المحلي، لا المتسول الإداري.
 
جماعة الهراويين سخية حين يتعلق الأمر بالمصادقة على اقتناء سيارتين للدرك الملكي، وسخية في تبني شراكات ، لكنها فقيرة حين يتعلق الأمر بإنتاج رؤية تنموية أصيلة، تتلاءم مع أولويات السكان وتستجيب لطموحاتهم في العيش الكريم.
إن الأزمة ليست فقط في غياب الإمكانيات، بل في غياب الإرادة، والتقاعس عن لعب الدور الدستوري المنوط بالجماعات الترابية في البناء المحلي .
فهل تستفيق الهراويين من غيبوبتها؟ أم أن الاستجداء سيظل عنوان المرحلة إلى إشعار .
سعيد عاتيق، مستشار جماعي بجماعة الهراويين