1- من الجلي أن قضيتنا دخلت منذ سنوات وتحت الملك محمد السادس مرحلة جديدة في سياق عالم دولي متقلب ومتغير وفي ظل توترات إقليمية متصاعدة، واجتماعنا اليوم تعبير عن الحاجة لاستشراف آفاق القضية على أساس من استجلاء تحدياتها واستباق المخاطر المرتبطة بسياسات القوى المعادية لوحدنا الترابية والوطنية، وذلك في ظلال الذكرى 50 لقضيتنا.
2- ان نجاح أي ترافع فعال ومؤثر عليه ان يستند أولا على وعي تاريخي بعدالة هذه القضية وبدون ذلك يصبح الترافع مجرد عمل سطحي وعابر وموسمي مفتقدا للأثر المطلوب.
3- ولهذا نحتاج لترسيخ هذا الوعي وتعزيزه خاصة على ضوء مستجدات البحث العلمي، ونذكر هنا بأبعاد هذا الوعي:
- أن الحقائق التاريخية لعلاقة الصحراء بباقي مناطق المغرب منذ نشأة الدولة وتشكلها بل انبعاث بعضها من الصحراء كدولة المرابطين، وهي دولة بنيت على أساس فلسفة الدولة الموحدة مع تمكين الجهات من التدبير الحر لشؤ ونها.
- ومقتضيات البيعة الشرعية، بما هي عقد يربط ساكنة الصحراء وقبائلها بالدولة المغربية طيلة قرون، وتجدد مع وفد مؤتمر أم الشكاك في أبريل 1956 للقاء جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله في ماي من نفس السنة وتهنئته بعودته من المنفى وما نتج عنه من مواقف جسدها الخطاب التاريخي لمحامي الغزلان في 1958.
- ثم المعطيات الجغرافية الملموسة والجذور الاجتماعية والثقافية والقبلية، التي تقف في وجه الاختراع الاستعماري والانفصالي لوجود شعب في الصحراء المغربية ومعها الحق في تكوين دويلة لم يسبق أن كان لها وجود في التاريخ.
- فضلا عن كون عدالة القضية ترتكز على الحق في مقاومة استهداف دولي وإقليمي متجدد لتقسيم المغرب، ذلك ان الصراع في جوهره هو جزء من رهان دولي استعماري هدف منذ نهاية القرن التاسع عشر وخاصة مع مؤتمر الجزيرة الخضراء في 1906 في إطار هجمة استعمارية على المنطقة ككل افرزت ما سمي باتفاقيات سايس بيكو لتقسيم المنطقة وتجزئتها، وتقوى ذلك بنشوء نزاع إقليمي مفتعل يتغذى على قراءة تاريخية محرفة لحرب الرمال في 1963 ويتنصل من التزامات الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس في 6يوليوز 1961، ورغم تجاوز ذلك الا ان هذه العقدة بقيت مستحكمة وانتجت ما شهدناه في حرب الدفاع عن استرجاع الصحراء.
- وترتكز عدالة القضية على القانون الدولي بدءا من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2072 في 26 دجنبر1965 بعد تقدم بلادنا بملف الصحراء وسيدي إفني أمام لجنة تصفية الاستعمار، وهو القرار الذي أدى إلى استرجاع سيدي إفني في يناير 1969 ثم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 1975 وأكد روابط الولاء بين المغرب وقبائل الصحراء، ثم اتفاقية مدريد لنونبر 1976 وإيداعها لدى الأمم المتحدة في دجنبر 1975 ومصادقة الجماعة الصحراوية عليها في فبراير 1976، ثم بيعة قبائل وادي الذهب في غشت 1979 وقبل ذلك التصدي الحازم لمحاولات التقسيم بعد اتفاق 5 غشت 1979 بالجزائر وإفشاله ميدانيا وعسكريا بمعارك بئر أنزران والمسيد والمحبس والسمارة واقا والوركزيز وجسدها جنود وحدات عسكرية بانخراط أبناء الأسر المغربية كالزلاقة وأحد وبدر وخيبر.
4- أي أن القضية هي في جوهرها قضية وجود وليس حدود، قضية تقسيم تجزئة، وليست قضية تصفية استعمار، فهذا الأخير تمت تصفيته منذ 1975، تختزل الاستهداف القديم -المتجدد لإضعاف المغرب والتحكم فيه وتقسيمه وإعاقة نهضته ونموه، وعرقلة إشعاعه وفعاليته الإفريقية ومبادراته، وفصله عن عمقه العربي والإسلامي.
5- على ضوء ذلك تبرز التحديات الراهنة ممثلة في خمس تحديات كبرى:
- تحدي التقسيم الذي يناور خصوم القضية بطرحه المتكرر وخاصة في فبراير2002 وترحيب الجزائر به وتجدد في تقرير المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديميستورا في أكتوبر 2024 ومحاولة طرحه كحل وسط مما يفرض الانتباه له والتصدي له.
- تحدي المعارك القضائية والبرلمانية حول شرعية استثمار الثروات الطبيعية وخاصة بعد قرار محكمة العدل الأوربية في أكتوبر 2024 ومخاطر ترجمته في تجميد البروتوكول الخاص بالمنتجات الفلاحية مما يقتضي فعالية برلمانية لمواجهة ذلك، خاصة وهو يستبطن محاولة فرض البوليساريو كممثل قانوني لساكنة الصحراء وهو تضليل تاريخي وقانوني.
- تحدي مواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للصحراء وفك الارتهان بالحل النهائي عبر تأكيد رهان تحويل منطقة الصحراء بجهاتها الثلاث إلى نقطة جذب تنموي للعالم ككل، في مقابل اليأس المستحكم في مخيمات تندوف، مع تجدد التصريحات الدونكوشوتية بالإرهاب من قبل الانفصاليين.
- تحدي إعاقة الفعالية الافريقية لبلادنا مما ظهر أبعاده في انتخابات نيابة رئاسة مفوضية الاتحاد الافريقي في فبراير 2025، والتي كانت محطة فرز وهي مقدمة لمعركة طرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي فهي أيضا معركة برلمانية وسياسية بعد تراجع الدول المعترفة بالكيان الانفصالي من أزيد من ثلثي دول القارة إلى أقل من الثلث وتجاوز عدد الدول الداعمة لبلادنا في القارة 40 دولة اي اكثر من الثلثين.
- تحدي فصل المغرب عن عمقه العربي والإسلامي، ويمكن العودة إلى الخطاب التاريخي لجلالة الملك في الرياض في ماي 2016 وما تلاه من انحراف الأمين العام للأمم المتحدة الذي تهجم على مغربية الصحراء واضطرت بلادنا على التصدي له واعلانها بتقليص وضعية المينورسو، إن المعركة من أجل فلسطين هي معركة من الصحراء والعكس أيضا صحيح، فهما وجهان لقضية واحدة هي مقاومة التقسيم، وأن المغرب كما جاء على لسان جلالة الملك حفظه الله في رسالته الى الرئيس الفلسطيني في 10 دجنبر 2020 من "أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة".
6- أن التصدي لهذه التحديات يقتضي استيعاب واستثمار المسار الجديد للقضية الوطنية وصيانة سردية وخطاب مستوعب ومتفاعل مع التحديات، ونعتبر أن من أهم عناصر هذا المسار الجديد التطورات التالية:
- الموقف الدولي والأممي الإيجابي من مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل في إطار السيادة المغربية في 2007.
- وفك الارتهان بين حل النزاع وبين التقدم في مشروع تنموي طموح في 2015، وتصاعد المجهود الوطني المبذول لتحقيق التقدم التنموي والاقتصادي للأقاليم الجنوبية وتسريع اندماج ساكنتها في تدبير شؤونهم.
- والعودة إلى الاتحاد الافريقي في 2017 وتقدم الفعالية داخل مؤسساته.
- وإنهاء العبث الانفصالي في معبر الكركرات في 2020 ومعه التصدي للاستفزازات الانفصالية بإعلانهم وقف العمل باتفاق وقف إطلاق النار لشتنبر1991.
- وتوسع الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء (أمريكا في 2020، إسبانيا في 2022 ثم فرنسا في 2024) وسحب الاعترافات بهذا الكيان الانفصالي من طرف أزيد من 60 دولة ليبغ عدد الدول غير المعترفة أزيد من 165 دولة.
- في مقابل المأزق الوجودي الذي يعاني منه الطرح الانفصالي، وهو ما يكشف عنه تفاقم اليأس في مخيمات تندوف وتدهور حقوق الإنسان بها مع رفض إحصاء ساكنتها.
7- وهو مسار تأسس على رصيد قوي من الحسم العسكري والسياسي والتنموي طيلة سنوات 1975-1991، ثم ثلاثة عقود بين 1991-2020 من التدافع في رحاب الأمم المتحدة مع مناورات كسب رهان الانفصال سياسيا مما اقتضى صمودا وتجندا كان من مواقفه الحسم مع إقصاء ساكنة الصحراء في منتصف التسعينيات ثم التصدي لفكرة التقسيم من جديد في 2002 ثم تحريف المسار بطرح قضايا حقوق الإنسان والثروات الطبيعية والمعارك القضائية حول مجال تطبيق لاتفاقيات الدولية وخاصة مع الاتحاد الأوروبي واوهام المنطقة المحررة التي سقطت مع معركة تأمين وتحرير الكركرات من العبث الانفصالي.
8- وفي هذا الإطار، نجدد التنويه والتثمين بما شهدته هذه الفترة الممتدة من نهاية 2020 إلى أبريل 2025 من مجموع التطورات الدالة أعلاه على طريق الحسم النهائي لهذا الملف، كما نؤكد انخراط الحزب الدائم والقوي، إلى جانب القوى والهيئات والمؤسسات الوطنية تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله في معركة الدفاع عن القضية الوطنية الأولى لجميع المغاربة، وندعو إلى رفع التعبئة واليقظة المستمرة للتصدي لخصوم وحدتنا الترابية ومواجهة المناورات والحملات المغرضة، وتقوية الجبهة الوطنية الداخلية وصيانة المكتسبات ورفع مستوى التصدي لسعار الانفصال ومحاولاته اليائسة، وايضا العمل على كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وجلب المزيد من التأييد والدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد على طريق الحسم النهائي لهذا النزاع المفتعل، والذي نعتبره مقترحا واضحا وكافيا لمفاوضات شاملة لكل الأطراف، على خلاف ما جاء في إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديميستورا في أبريل 2025 في محاولة الالتفاف على قرار مجلس الأمن ل2007 الذي أكد جدية المقترح المغربي كإطار لحل سياسي.
9- كما يقتضي ذلك احتواء تصاعد التوتر الإقليمي ذلك أن عودة مناخ الحرب الباردة وسياسات التحريض والشحن والعداء من قبل منظومة الحكم بالجزائر بما يخدم سياسات التدخل الأجنبي وإضعاف وتأجيل ورش التكامل والاندماج الإقليمي، في ظل تهديدات كامنة على ضوء الصراعات القائمة على النفوذ في الساحل والصحراء الكبرى، وكان من نتائج ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب بقرار من الجزائر، وإغلاقها لأجوائها أمام حركة الطيران، وتوقف خط الغاز الجزائر- المغرب- إسبانيا، وإطلاق الجزائر لمبادرة التكتل الثلاثي الجزائر-تونس- ليبيا ضدا على رهان الاتحاد المغاربي، وصولا الى توسيع دائرة دعم النعرات الانفصالية من طرفها، وهي حالة توتر غير مبررة وغير منتجة، فمعطيات التاريخ ومقتضيات الدين والتاريخ والجوار الجغرافي، ومستلزمات التقدم تفرض التوجه نحو الوحدة والتعاون والشراكة عوض الصراع والتقسيم، وهو ما تعامل معه المغرب بحكمة وصبر ومسؤولية رافضا أن يكون سببا في الإضرار بالجزائر وحريصا على الحفاظ على سياسة اليد الممدودة واعتبار الشراكة خيارا لبناء المغرب العربي الكبير وازدهار شعوبه.
10- وهي مناسبة لتوجيه نداء جديد لقادة الانفصال ورعاتهم بالجزائر بطي هذه الصفحة ولم الشمل والتوجه نحو المستقبل، وتوجيه دعوة خاصة للأشقاء في الجزائر إلى تغليب منطق الحكمة وروابط الأخوة والكلمة السواء والتعاطي الإيجابي مع اليد المدودة لجلالة الملك، واستحضار ما يجمع بين الشعبين الشقيقين من روابط الدين واللغة والتاريخ والجوار والمصالح المشتركة في مواجهة عالم يموج بالتحديات والمخاطر، وهو ما يفرض شرعا وعقلا التعاون وتكاثف الجهود لمصلحة الشعبين الشقيقين ومصلحة شعوب المنطقة، وتجنب الفرقة والصراع التي لن تفيد سوى أعداء أمتنا وشعوبنا ومنطقتنا.
11- ونود في ختام هذا المحور تأكيد الإشادة الكبيرة للحزب بيقظة وجاهزية القوات المسلحة الملكية بقيادة القائد الأعلى رئيس أركان الحرب العامة جلالة الملك وسائر التشكيلات من درك ملكي وأمن وطني وقوات مساعدة وقاية مدنية، في الرد بحزم وفاعلية على كل الاستفزازات الانفصالية.
مداخلة ضمن ندوة حول "البرلمان وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية وناجعة وترافع مؤسساتي فعال" بمجلس المستشارين، الإثنين 5 ماي 2025.