بمجلس المستشارين، انطلقت الندوة الوطنية تحت عنوان "نحو دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"، وذلك صبيحة يوم الإثنين 5 ماي 2025، وهي الندوة المنظمة من قبل مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقديم الاستشارة حول "القضية الوطنية الأولى للمغرب قضية الوحدة الترابية للمملكة".
وتأتي هذه الندوة كتتويج لمسار سياسي ودبلوماسي متقدم، نجح المغرب من خلاله. بقيادة الملك محمد السادس في ترسيخ شرعية قضيتها الوطنية، وفي تكريس مقاربة استباقية وفعالة تعكس تحولاً نوعياً في أداء الدبلوماسية المغربية.
ووفق أرضية الندوة، فقد شكل الخطاب الملكي الأخير محطة مفصلية في إعادة تأكيد الثوابت الوطنية، وبلورة رؤية استراتيجية واضحة تقوم على المبادرة الحزم، والانفتاح في الدفاع عن مغربية الصحراء. وأثمر هذا التوجه تراكما نوعيا في مسار الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل السياسي الواقعي وذي المصداقية المدعوم من قوى كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، إسبانيا، فرنسا، وعدد متزايد من دول أوروبا الشمالية والشرقية. وهو ما يعكس اتساع دائرة الدعم الدولي ويكرس الطابع الشمولي والبراغماتي للتحرك المغربي على الصعيد الجيوسياسي. كما تواكب هذه الدينامية اعترافا متزايدا من الشركاء الأوروبيين بالدور الاستراتيجي للمملكة في حفظ الأمن والاستقرار جنوب المتوسط، وتأكيد تحول المغرب إلى فاعل محوري في الرؤية الأطلسية الجديدة، لاسيما في ظل التحديات الأمنية العابرة للحدود، والرهانات المشتركة في مجالات الطاقة، الدفاع والهجرة. وهذا ما يعزّز منطق "الشراكة الاستراتيجية" متعددة الأبعاد التي تنسجها المملكة بثقة ومسؤولية.
على المستوى التنموي، تشهد الأقاليم الجنوبية للمملكة تحولات اقتصادية عميقة، تتجسد في مشاريع بنيوية كبرى، أبرزها ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يرتقب أن يشكل منصة للتكامل الإفريقي، وممراً استراتيجياً لتيسير المبادلات مع بلدان إفريقيا الغربية. كما تمثل مشاريع أخرى مثل أنبوب الغاز نيجيريا - المغرب ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، ومشروع تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط، تعبيرا ملموسًا عن كون الصحراء المغربية أضحت في صلب الرؤية التنموية القارية للمملكة، وجسرا تنمويا نحو العمق الإفريقي.
وعلى مستوى التتبع الأممي، شكلت الإحاطة الأخيرة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، "ستافان دي ميستورا"، لحظة فارقة، حيث باتت المنظمة الأممية تواكب بواقعية أكبر التحولات الميدانية والسياسية، وسط اقتناع متنام بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تمثل الإطار الأنسب لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
وتضيف الأرضية، أن المغرب قطع، بقيادة الملك محمد السادس، مع منطق رد الفعل، وانتقل إلى منطق المبادرة الدبلوماسية النشطة، من خلال تجديد إعلانات الشراكة مع عدد من الدول الصديقة وتوسيع التعاون جنوب - جنوب، ومراكمة الاعترافات بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن 164 دولة لا تعترف بالكيان الانفصالي، بينما تدعم 112 دولة صراحة مبادرة الحكم الذاتي، من بينها غالبية دول إفريقيا، وعدد من أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وتنعقد هذه الندوة في مرحلة دقيقة ومفصلية من تطور ملف الصحراء المغربية، حيث تتقاطع التحولات الدولية المتسارعة مع الدينامية الوطنية الراسخة التي تقودها الدبلوماسية الملكية وهو ما يستوجب تعزيز دور المؤسسة التشريعية، وتعبئة النخب الفكرية والسياسية، لصياغة رؤى استراتيجية ملموسة وآليات تنفيذية مدروسة تعزز التحرك الوطني، وتعكس وعيا جماعيا بالمسؤولية المشتركة تجاه قضيتنا الأولى.
فأهمية هذه الندوة، حسب الأرضية، لا تكمن فقط في مواكبتها للمستجدات السياسية والدبلوماسية والتنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، بل أيضا في قدرتها على إنتاج رؤية وطنية تشاركية، تعزز انخراط مجلس المستشارين في الترافع المؤسساتي، وتسهم في ترسيخ الدبلوماسية البرلمانية كرافعة استراتيجية داعمة للتحرك الرسمي، وكأداة فعالة لتعزيز موقع المغرب في محيطه الإقليمي والدولي، كدولة موثوقة مستقرة، وذات مصداقية.