Monday 5 May 2025
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: من شاروخان إلى بن كيران.. دروس في كرامة الكلمة

عبد الرفيع حمضي: من شاروخان إلى بن كيران.. دروس في كرامة الكلمة عبد الرفيع حمضي
في لحظة من أكثر اللحظات رمزية في الحياة  النقابية والحزبية، (فاتح ماي ) وأمام تجمع عام للنقابيين والحزبيين والمواطنين، اختار الاستاذ عبد الإله بن كيران، الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة الأسبق، أن يصف بـ”الحمير” و”الميكروبات”، الذين يخالفونه التقدير  بشأن ما يحدث في غزة من إبادة جماعية للفلسطينيين من طرف الكيان  الصهيوني وفي حجم المسؤوليات، اظافة إلى  تقدير وتقييم مواقف العالم الإسلامي والغربي بكل اطيافه والمتأرجح بين الانتظارية واللامبالاة وتواطؤ احيانا.

فالأمر في رأيي لم يكن مجرد زلة لسان في حديث خاص، ولا نرفزة عابرة في مقابلة مرتجلة. بل كانت كلمة مدروسة، ألقيت في مقام يُفترض أن يعلو فيه منسوب الرصانة، وترتقي فيه اللغة إلى مقام المسؤولية.

في نفس اليوم ، وفي قرية بني عمار بمولاي ادريس زرهون نواحي مكناس، كان سكان المنطقة يحتفلون بمهرجانهم السنوي لتكريم الحمار، في تقليد فني وثقافي ينطوي على دلالات بليغة في الانتصار لما هو هامشي ومُهمل. 

وقد تُوّج حمار باسم “شاروخان”، في مفارقة لافتة بين خطاب سياسي يعتمد الحيوان رمزاً للتهجم والإقصاء، واحتفال شعبي يُعيد له الاعتبار ضمن رؤية ساخرة ولكن نبيلة.

المشكلة لا تكمن فقط في الكلمات التي استُعملت، بل في الرسالة السياسية والأخلاقية التي تنطوي عليها. 
ذلك أن القاموس الذي يختاره السياسي ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو مؤشر على رؤيته للديمقراطية، للمخالف، وللمجال العام. وبهذا المعنى، فإن الوصف الذي لجأ إليه سي بن كيران لا يُسهم فقط في تدهور النقاش العمومي، بل يعكس تراجعاً مقلقاً في منسوب المسؤولية الخطابية لدى من يُفترض أنهم رموز في المشهد السياسي.

الكاتب والمفكر الفرنسي ريمون آرون قال ذات يوم:
“السياسي لا يُعرَف فقط بما يقوله، بل باللغة التي يختار أن يقول بها ما يريد قوله”.
فاللغة سلطة. وكل انزلاق في التعبير هو بالضرورة انزلاق في الفهم، وفي احترام ذكاء المواطنين، وفي تصور السياسة كفضاء للحوار لا حلبة للتجريح.

التجمعات الحزبية والنقابية ليست حفلات داخلية، بل هي لحظات تأسيسية في الحياة الديمقراطية. ولذا، فإن الكلمات التي تُقال فيها تُكتب في ذاكرة السياسة، وتبقى شاهدة على نوع الخطاب الذي أراده الحزب لنفسه، وعلى نوع الثقافة التي يريد زرعها لدى مناضليه وجمهوره.

الخلاف في الرأي لا يُواجه بالإهانة، والمعارك السياسية لا تُحسم بالشتائم،والفاعلون السياسيون، حين يستهينون بالكلمة، يسيئون إلى السياسة أكثر مما يسيئون إلى خصومهم.

في النهاية، لا شيء أكثر خطورة على الحياة الديمقراطية من أن يُفرغ السياسي قواميسه من الاحترام، فيملأها بالعدوان اللفظي. فالكلمة، حين تسقط، تُسقِط معها ما تبقّى من المعنى.