يظل النزاع الممتد لأكثر من نصف قرن بين المغرب والجزائر معركة أيديولوجية وحدودية أكلت الأخضر واليابس، تاركة خلفها فصولا مظلمة لم يسلط عليها الضوء بما فيه الكفاية.
من بين هذه الفصول، قضية الأسرى المغاربة الذين وقعوا في أسر عصابة الانفصاليين، ليتم احتجازهم في معتقلات تقع على الأراضي الجزائرية، وسط صمت دولي وغموض قانوني دام لعقود. فباسم مبادئ التحرر، يفتح النظام الجزائري معتقلات للجنود المغاربة الذين أسرتهم صنيعتها البوليساريو، ليظل هؤلاء الأسرى شهودا على سنوات طويلة من الألم والمعاناة. والقصص التي سطرها هؤلاء الأسرى لا تزال حية في ذاكرة العديد منهم، حيث تجسد المعاناة المستمرة التي تكبدها الجنود المغاربة في هذه المعتقلات وكثير منهم اعتقل منذ السبعينيات والثمانينيات، ليجدوا أنفسهم محتجزين لأكثر من عشرين عاما في ظروف قاسية، بعيدا عن وطنهم، ومحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، في خرق واضح للقوانين الدولية التي تنص على حماية أسرى الحرب.
أكثر من 3000 أسير مغربي مروا عبر هذا المسار المؤلم، منهم من عاد إلى دياره بعد سنوات طويلة من الإعتقال، ومنهم من بقي أسيرا للماضي، يكافح ليحيا بذكرياته الممزقة بين جدران معتقلات الانفصاليين والسجون الجزائرية. فلا يمكن أن يمر هذا التاريخ المظلم دون اعتراف كامل، فهؤلاء الأسرى هم شهود على جريمة تمت برعاية الدولة الجزائرية، التي دعمت، وتستمر في دعم، جبهة البوليساريو. والتورط الجزائري في هذه القضية لم يكن مجرد دعم مادي ومعنوي لجماعة مسلحة، بل تعدى ذلك ليشمل احتجاز الأسرى على أراضيها.
وبالرغم من القوانين الدولية التي تحظر احتجاز أسرى الحرب على أراضٍ غير أراضي الدول المتحاربة، إلا أن الجزائر سمحت للبوليساريو باستخدام أراضيها كقاعدة لاستقبال الأسرى المغاربة، وفرض عليهم ظروف احتجاز غير إنسانية.
المجتمع الدولي كان غائبا في هذا السياق، والصمت كان سيد الموقف. المنظمات الإنسانية الدولية وحتى الوطنية لم تبذل الجهد الكافي للضغط على الجزائر من أجل إنهاء معاناة هؤلاء الأسرى، ولم تفتح التحقيقات اللازمة للكشف عن الحقائق كاملة.
وإلى اليوم، لا نجد تحركا حقيقيا على المستوى الدولي لمحاسبة الجزائر على هذا الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان، الذي شكل جرحا عميقا في وجدان المغاربة. ومن أجل العدالة يجب أن نستحضر هذه المعاناة قبل أن يرحل آخر شاهد، كما يجب أن يرفع صوت المغاربة الذين عايشوا تلك اللحظات العصيبة، وأن يظل ملف هؤلاء الأسرى مفتوحا، وألا يسمح بأن يترك في غياهب النسيان.
فهذه قضية تتعلق بحقوق الإنسان، وحق الأسرى وعائلاتهم، وحقهم في حياة كريمة بعد سنين من الظلام. كما يجب أن يعرض هذا الملف على المحاكم الدولية لكي تتحمل الدولة الجزائرية مسؤوليتها عن الانتهاكات الموثقة. وفي هذا الإطار على الدولة المغربية أن ترفع دعوى قضائية للمطالبة بمحاسبة النظام الجزائري عن دعمه لجبهة البوليساريو واحتجاز الأسرى المغاربة على اراضيه. فالتاريخ لا ينسى، والعدالة لا تتقادم، والقانون الدولي يفرض على الدول احترام حقوق الإنسان في جميع الأوقات، حتى في زمن النزاعات المسلحة. إن كل يوم يمضي دون أن يحصل هؤلاء الأسرى على العدالة هو يوم يضاف إلى مسلسل الظلم الذي تعرضوا له.
