mercredi 23 avril 2025
ONCF Voyages
كتاب الرأي

نبيل عادل: كرنفال البطالة في كنف حكومة المقاولات الورقية

نبيل عادل: كرنفال البطالة في كنف حكومة المقاولات الورقية نبيل عادل
في المغرب، لم نعد نُعدُّ العاطلين عن العمل، بل نحتفل بهم. 13,6% من أبناء هذا الوطن بلا شغل. وبعض الأصوات الرسمية – تلك التي تنتمي إلى مدارس الواقعية السحرية – تهمس في أروقة المندوبية السامية أن النسبة الحقيقية تفوق 20%. أي أن واحدًا من كل خمسة مغاربة لا يجد له مكانًا في قافلة الرخاء الوطني المبشر به من لدن حكومة الكفاءات، التي وعدت المغاربة بالمن و السلوى واشياء أخرى.

لكن مهلاً... لا تقتصر الحكاية على النسب، فالكارثة الحقيقية هي بطالة الشباب الحاملين للشهادات العليا، أولئك الذين صدّقوا كذبة "المعرفة مفتاح النجاح". 40% منهم يضافون يوميًا إلى طابور الانتظار الطويل، حيث لا باب، ولا مفتاح، ولا حتى بواب. إنها أعلى نسبة بطالة بين الخريجين منذ أكثر من عقدين. مجد أكاديمي يترجَم إلى صمت رسمي وشعور جماعي بالخذلان.

الآباء؟ ضحايا موازين العاطفة والجيب. أفنوا أعمارهم لتعليم أبنائهم، فصُدموا بأن الجامعة تخرج "مفكرين" لا يطلبهم أحد، وأن شهادات الماستر والدكتوراه تصلح فقط لتزيين جدران غرف النوم، أو في أحسن الأحوال لتقديم ملفات دعم شباب المقاولات التي تموت قبل أن ترى فاتورتها الأولى.

حكومة الكفاءات؟ تؤكد أنها تبذل "جهودًا جبارة" لخلق الثروة والشغل، لكنها جهود لايراها أحد إلا اعضائها. ولكن الجهد الوحيد الظاهر هو في خلق اللجان، وتوظيف المصطلحات التقنية، وتنظيم المناظرات الوطنية التي لا ينقصها سوى موسيقى افتتاحية ومُقدِّم تلفزيوني ومهرج برتبة وزير.
دعونا نتحدث بجدّية ساخرة عن البيئة الاستثمارية. كيف يمكن أن يولد الشغل في بلد حيث تُعتبر الغازات الضريبية لحكومة "ولاد الناس" خصمًا للروح، وحيث تستغرق مسطرة إستثمار بسيطة شهورًا من الجهاد البيروقراطي؟ كيف لرائد أعمال شاب، بالكاد أنهى دراسته وباع هاتفه المحمول وحلي والدته ونظم والده "دارت" مع ولاد الدرب،  ليطلق شركته الناشئة، أن يصمد أمام دورة مالية قد تمتد لشهور تتخللها عدة عطل يضرب المغرب أرقامًا قياسية في عددها، قبل أن يرى درهمًا واحدًا من أول زبون؟ النتيجة: الشركات الصغيرة تموت قبل أن تتعرف على مفتش الضرائب. لا يمكننا الحديث عن البطالة دون مساءلة النموذج الاقتصادي نفسه. ففي بيئة يُثقل فيها كاهل المقاولات الصغيرة والمتوسطة بالضرائب، وتغرق فيها الإجراءات الإدارية في دهاليز البيروقراطية، يصعب على أي فكرة واعدة أن ترى النور، فضلًا عن أن تخلق فرص عمل. شباب في مقتبل العمر، يتقدمون بطلبات للمشاركة في صفقات عمومية أو خاصة، فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً في غياب شبكات العلاقات أو "مفاتيح السوق". وحتى من ينجح منهم في إطلاق مشروعه، يجد نفسه محاصرًا بدورات مالية طويلة تستنزف السيولة وتقضي على الحلم في مهده.
أما سوق الشغل، فهو أشبه بمتحف. التوظيف معقد، والتسريح مستحيل، وكلفة العامل توازي كلفة موظف في دُبي. هل تريد أن تُوظِّف؟ ستدفع راتبًا، وضريبة على الراتب، وتأمينًا على الراتب، وربما راتبًا لعدم العمل أيضًا حتى لو كانت إنتاجية هذا العامل "صفراً على الشمال". أما في حالة النزاع. فإنها بيئة مثالية لخلق الشغل... في المحاكم.
الاقتصاد المغربي؟ يدور في حلقة داخلية مفرغة. ننتج لبعضنا البعض، نشتري من أنفسنا، ونقترض لنستهلك. الانفتاح على الأسواق الدولية ما زال مجرد فصل من رؤية مستقبلية "قيد الدراسة"، بينما تبقى المنتجات المغربية أسيرة "الطلب المحلي" المرهق أصلًا. لا اتفاقيات حرة فعالة، ولا دعم حقيقي للتصدير، ولا إرادة سياسية لفهم أن الاقتصاد لا يعيش على الخطابات بل على المنافسة والابتكار والتموقع الدولي. في خلفية هذا المشهد، نلاحظ انغلاقًا هيكليًا للاقتصاد الوطني على نفسه. فالطلب الداخلي، مهما تضخم، لا يمكنه أن يكون محركًا كافيًا لنمو مستدام. ومع محدودية الانفتاح على الأسواق الخارجية، يظل الإنتاج المغربي حبيس فضاء ضيق لا يتيح للطاقات الوطنية أن تتنفس.
في نهاية المطاف، تُترك الثروة لمضاربين، والشغل لـ"أبناء المحظوظين"، والباقي... للبكاء على جدران لينكدإن.
 
د. نبيل عادل/ أستاذ باحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية