الثلاثاء 22 إبريل 2025
كتاب الرأي

سعيد عاتيق: في زمن الدولة.. حين يعود الشارع إلى قانون الغاب

سعيد عاتيق: في زمن الدولة.. حين يعود الشارع إلى قانون الغاب سعيد عاتيق
في زمن يفترض أنه زمن مؤسسات، قانون، ودولة مدنية، تطفو إلى السطح مشاهد أقرب إلى عصور الانحطاط: شباب يتجولون في الأحياء حاملين سيوفًا وسكاكين طويلة، يستعرضون بها عضلاتهم، يهددون، يروعون، يصورون، وينشرون مقاطعهم بكل فخر على شبكات التواصل الاجتماعي.

ظاهرة ليست معزولة، ولا يمكن قراءتها كحالات فردية، بل هي مرآة لما آل إليه حال مجتمع تكاد تتفكك أواصره، وتغيب فيه سلطة القيم، وتنهار فيه المرجعيات وتضمحل فيه المبادئ والثوابت الأصيلة .
 
ما الذي يدفع شابًا في مقتبل العمر لأن يختار السيف لا القلم؟ أن يفرض وجوده بالرعب لا بالاحترام؟ أن يبحث عن "الهيبة" في وهم القوة لا في رصانة العقل أو نباهة الفكر؟
الجواب – للأسف – واضح: حين تفشل الدولة في صناعة الإنسان، يخرج الوحش من داخله.

هذا الوحش ليس انتقائيا إذ لا يمارس الحڭرة فقط على أبناء الشعب بل سيفه طال حتى أجساد رجالات الدولة من أسرة التعليم وجهاز الأمن والسلطات، أكيد أن الأمر جلل وفي غاية الخطورة لكنه نتيجة طبيعية عندما تخلّت مؤسساتنا، طواعية أو عجزًا، عن دورها التربوي.

الأسرة مستنزفة، المدرسة مشلولة، الفضاء العمومي محتل بالسطحية والعنف، والإعلام – إلا من رحم ربي – صار أداة لترويج التفاهة لا لصناعة الوعي الأحزاب السياسية انسحبت وتوارت من مربع التدافع نحو المصلحة العليا للوطن وتخندقت النخبة في طابور المصالح الضيقة وتركت الساحة فارغة تتنازعها القبلية الجديدة والجهل والتخلف والعنف الرمزي والمادي. 

هذا التراجع الشامل للتنشئة جعل المواطن يشعر بالفراغ ولامعنى ليلجأ إلى سلوكيات تعويضية لكنها شاذة ومضرة وهدامة وسط هذا الفراغ، يولد الانفلات، ويتحول السيف من رمزٍ تاريخي إلى أداة فوضى معاصرة.
ظاهرة استعراض السيوف هي تعبير رمزي عن انهيار الثقة في الدولة وفي المجتمع.

الشاب الذي يخرج حاملاً سيفًا أمام الكاميرا لا يبحث عن إيذاء فقط، بل عن اعتراف. عن لحظة انتباه في عالمٍ تجاهله. عن إثبات وجود وسط فضاء لم يمنحه لا صوتًا ولا قيمة.
في العمق، نحن لا نواجه مجرد انفلات أمني، بل أزمة قيم، وأزمة تربية، وأزمة معنى.

وليس من المجدي أن نحصر المعالجة في المقاربة الأمنية وحدها. لا بد من مشروع ثقافي تربوي عميق يعيد للمواطن كرامته، ويعيد للمجتمع بوصلته، ويعيد للدولة هيبتها لا عبر الخوف، بل عبر العدل والرعاية.
لقد هدرنا عقودا وعطلنا محركات الصناعة الآدمية وركزنا على قاموس "الصناعة الإسمنتية" للتباهي. 

نعم فشلنا في صناعة مواطن وقد دقت مجموعة جيل جيلالة ناقوس الخطر منذ سنين فإلى متى سنظل نعالج الأعراض ونغض الطرف عن الجذور؟
إلى متى سنكتفي بالتنديد ونتهرب من مواجهة السؤال الأهم: لماذا فشلنا في صناعة الإنسان؟
يا دوك اللايمين رفقو من حالي ..
علاش تعيبوا فقولي وفعالي..؟
ااش درت انا اش درت فيما يجرا لي؟
 مناش اللي اخترت العيوب ديالي ....
علاه انا يوم صبت راسي في الدنيا.. جيت بالشوار؟ 
علاه انا يوم زلكوني رجليا.. كان لي اخبار؟
 ياك هنا حليت عينيا..وهنا لا غيت مع من رباني..
 طلقوني نرعى مواليا وسط الزنقة .. نصيبها غابة مخفية  ضعيفها عادم الحمية 
واتبعت الواد اللي حمل بيا ... حملة واحدة مشيت فيها والداني
 وهاني فين الواد رماني ... واش بيداي انا؟
 
سعيد عاتيق/ فاعل حقوقي