منذ تعيينه رئيسا للحكومة بعد تصدّر حزبه (التجمع الوطني للأحرار) الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأربعاء 8شتنبر 2021، أضحى مفهوم "الدولة الاجتماعية" يتردد على لسان التجمعي عبد العزيز أخنوش «رئيس الحكومة 33 في تاريخ المغرب المستقل»، وعلى ألسنة وزرائه الذين ينتمون إلى تكتل ثلاثي يجمع بين أحزاب «التجمع» و«البام» والاستقلال. بل استأثر هذا المفهوم، لكثرة تداوله، بحيز كبير من النقاش العمومي، وانبرى له السياسيون والاقتصاديون والأكاديميون والإعلاميون، من كل المراتب والحساسيات والإيديولوجيات، من أجل الإحاطة به في صيغته المغربية، سواء داخل الفضاءات الرسمية أو المدنية. كما خصصت الحكومة الحالية جزءا كاملا في برنامجها للحديث عن الدولة الاجتماعية، بل بدا أن شرط وجودها هو تنزيل «النموذج التنموي الجديد» الذي يهدف إلى إرساء دينامية سوسيو- اقتصادية جديدة للتنمية.
هكذا شِيءَ لحكومة عبد العزيز أخنوش أن تقود الجيل الجديد من مسار معالجة المعضلة الاجتماعية في المغرب، إذ أطلقت مجموعة من الأوراش، وفي مقدمتها برنامج السجل الاجتماعي الموحد والدعم الاجتماعي المباشر، والحماية الاجتماعية، ودعم السكن.. إلخ. ورغم تنوع البرامج والتشريعات التي تروم الوصول إلى التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للأسر وتعميم التأمين الصحي الإجباري إلى جانب تفعيل الآليات المتعلقة بتيسير الولوج إلى الدعم الاجتماعي، فإن الدولة الاجتماعية بالصيغة المغربية تطرح مجموعة من الإشكالات المرتبط بالتساؤلات التالية:
أولا: هل يمكن الحديث عن الدولة الاجتماعية في ظل اقتصاد السوق؟ بل واقتصاد السوق المتوحش، وهل يمكن، في حالتنا المغربية، الحديث عن اقتصاد تابع للدولة الاجتماعية؟ وهل هو مؤهل لذلك، خاصة أن اقتصاد السوق لا يصبح اجتماعيا إلا إذا طبق تدابير من أجل خلق توازن اجتماعي بين المصالح المختلفة في المجتمع. كما أن هذا النوع من الاقتصاد مرتبط أساسا بمفهوم الإنسان داخل الدولة ودور الدولة في حماية حقوق الإنسان الأساسية واحترام كرامته غير القابلة للتصرف، كما نجد في النموذج الألماني مثلا.
ثانيا: هل يتوفر المغرب حاليا على «دستور مالي» ينص على تنوع مصادر الإيرادات التي يتطلبها تنزيل «الدولة الاجتماعية»؟ هل تركز البرامج الحكومية، قولا وصدقا، على رعاية أولئك الذين فقدوا شغلهم، أو الذين لم يعودوا قادرين على العمل، أو ليست لديهم إمكانات للعلاج أو المأوى أو الإعالة؟
ثالثا: هل نجح «السجل الاجتماعي الموحد»، الذي تم إطلاق العمل به سنة 2022، في ضبط القوائم المستهدفة بالدعم والإعانة؟ وهل يتوفر المغرب حاليا على «قاعدة بيانات اجتماعية» صلبة يوظفها كلوحة قيادة مبتكرة لتطبيق البرامج الاجتماعية، خاصة أن تنزيل الدعم المباشر أثبت وجود اختلالات جسيمة في المنظومة المطبقة، خاصة ما نطلق عليه بـ «المؤشر» إذ يمكن للمستفيد أن ينام وهو داخل المؤشر، ويستيقظ داخله، دون أي تفسير منطقي!؟
رابعا :لماذا لا يتم العمل بقانون «الشباك الموحد للبرامج الاجتماعية كأداة لفرز الأسر منخفضة الدخل ودعمها انطلاقا من برامج محلية متخصصة، مثلما هو الحال في البرازيل التي لم تجد أي صعوبة في دعم الأسر المتضررة أثناء جائحة كوفيد؟
خامسا: على الرغم من التمويلات المهمة المرصودة، سجلت «الدولة الاجتماعية»، أثناء جائحة كورونا، وجود ما يناهز 46 % من السكان خارج منظومة الحماية الاجتماعية، وأكثر من 5.5 مليون أسرة تعمل في القطاع غير المُهَيْكَل، غير أن معايير الاستفادة من البرامج الاجتماعية سجلت حالة من الاستهداف العشوائي، وهو ما يطرح سؤالا عريضا حول هندسة السياسات الاجتماعية وتناقض الوصفات الرامية إلى التحكم في معدلات الفقر والإقصاء والهشاشة..
سادسا: هل هناك معايير تكفل وصول الدعم لمستحقيه وولوج عادل إلى الخدمات، خاصة أن هناك برامج تفتقد لمعايير ثابتة وواضحة في تحديد «الأهلية الاجتماعية» التي تخول الاستفادة من برامج الدعم، مثل برنامج محاربة الفقر بالعالم القروي، واستفادة المتمدرسين من دور الطالب والطالبة، وحتى برامج التغطية الصحية الإجبارية، وأيضا برنامج المنح الجامعية والأحياء الجامعية التي تتوقف الاستفادة منها على قرارات اللجان الإدارية المحلية التي تمتلك سلطة تقديرية مطلقة في قبول أو رفض الطلبات؟
سابعا :تريد الحكومة الحالية التأسيس لثورة في نظام الدعم الاجتماعي، فهل تساعد الإجراءات الحكومية المتخذة حاليا في كسب هذا الرهان، خاصة مع الارتفاع المهول في الأسعار، ومعضلة الوصول إلى الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية والخاصة، وضعف الأجور، والهشاشة الاجتماعية والتفاوتات المجالية الخطيرة «منكوبو زلزال الحوز نموذجا»، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر؟
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"