الأربعاء 19 مارس 2025
كتاب الرأي

وصفي بوعزاتي: حينما يصبح الفساد اعترافًا رسميًا.. هل بقي للعبث حدود؟

وصفي بوعزاتي: حينما يصبح الفساد اعترافًا رسميًا.. هل بقي للعبث حدود؟ وصفي بوعزاتي 
في سابقة خطيرة، يخرج نزار بركة، وزير التجهيز والماء، والأمين العام لحزب الاستقلال، ليكشف أمام المغاربة أن مستوردي الأغنام والأبقار حققوا أرباحًا خيالية بلغت 13 مليار درهما على حساب المواطنين. تصريح كهذا لم يأتِ من معارض غاضب، ولا من خبير اقتصادي محايد، بل من أحد أركان الحكومة نفسها، ومن زعيم ثالث أقوى حزب سياسي مشارك في الائتلاف الحكومي!

لكن الأخطر أن هذا الاعتراف ليس الأول من نوعه. فقد سبقه فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، حين اعترف بأن دعم 500 درهم المقدم لمستوردي الخرفان خلال عيد الأضحى الماضي كان "غلطة فادحة"، لم تخدم المواطن في شيء بل ضخت الأموال في جيوب فئة محدودة دون أي تأثير على الأسعار.

والآن، بعد هذه الاعترافات المتتالية، لم يعد السؤال عن الفشل الحكومي مجرد تحليل سياسي، بل أصبح إدانة رسمية تصدر من داخل مكونات الحكومة نفسها. فما معنى أن تخرج قيادات من أحزاب مشاركة في الحكومة (حزب الاستقلال، الأصالة والمعاصرة) لتنتقد سياسات حكومية ساهمت في وضعها وتدافع عنها داخل المجالس الحكومية؟! هل هذه مجرد "توبة سياسية" متأخرة؟ أم أنها مناورة انتخابية مكشوفة تحاول بها هذه الأحزاب تبييض صورتها قبيل الانتخابات التشريعية المقبلة؟

إن هذه التصريحات، مهما كان دافعها، لا تعني سوى شيء واحد: رصاصة الرحمة على ما تبقى من ثقة المواطنات والمواطنين في السياسيين عامة. فحين تعترف الحكومة بنفسها بأنها أهلكت القدرة الشرائية للمغاربة، وحين تتحول الأحزاب الحاكمة إلى معارضة داخلية تتبرأ من سياساتها، فذلك لا يعكس إلا درجة الإفلاس السياسي الذي وصلت إليه البلاد.

إن الوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من العبث. فهذه الحكومة لم تأتِ لتحكم، بل جاءت لتُشرف على إعادة توزيع الثروة بين فئة محظوظة، بينما يقف المواطن عاجزًا أمام أسعار ملتهبة وقوت يومي أصبح رفاهية. واليوم، لم يعد السؤال عن ضرورة رحيلها مجرد رأي، بل أصبح مطلبًا مشروعًا لحماية ما تبقى من كرامة هذا الوطن.
 
إن كان لرئيس الحكومة ذرة مسؤولية، وإن كان لائتلافه السياسي أي احترام لذكاء المغاربة، فإن أقل ما يمكن فعله هو تقديم استقالة جماعية. أما إذا كان هذا النداء سيسقط في آذان صماء كما هو متوقع، فإن التدخل الملكي أصبح ضرورة لا تقبل التأجيل، لأن استمرار هذه الحكومة لم يعد مجرد عبء سياسي، بل أصبح خطرًا على الاستقرار الاجتماعي.